السبت، 14 مايو 2011

إذا لم تكن حراً في نفسك فلن تكون حراً في أي مكان

الحرية يا أبناء بلدي الحرية..
يا أبناء بلدي ماذا الذي يحتاجه الواحد منا حتى يكون مثل أولئك المحللين و أصحاب الرأي المعروفين من الكتاب و الصحفيين الذين ملؤوا الدنيا في الفضائيات و غيرها يتكلمون يما تمليه عليهم عقولهم و ضمائرهم مع مراعاة مصالح بلادهم و شعوبهم لا يخافون في الحق لومة لائم ؟

كثيرا ما دار هذا السؤال في خاطري يتردد من فينة إلى أخرى يستثيره أولئك الذين يختبئون خلف أسماء مزيفة و أقنعة لا تعرف من هم و لا من أين أتوا، يقحمون أنفسهم في قضايا الأمة و مصائرها، تستوقفك آراؤهم و تعليقاتهم المليئة بالشتائم و السب تارة و تارة أخرى بالسخرية و الاستهزاء و إنكار الآخر. و لا أعمم فمنهم و إن قل مقبول و من الممكن عذره.

طبعاً حاولت كثيرا أن أتجاهل تلك الألفاظ النابية و حال السخرية في كلامهم أو كتاباتهم و أن أتتبع فحوى خطابهم لأعرف مالذي أرادوا التعبير عنه أو الذي قصدوا الوصول إليه من خلال طرحهم، علني أصل إلى زبدة الموضوع و أفهم مرادهم أو غاياتهم، فلم أتوصل إلى شيء ذي أهمية يذكر، فمعظمها إن لم يكن كلها كانت تنفيسا عن احتقان طائفي أو مذهبي أو فكري أو مصلحي خاص بجماعة أو فئة ما، أو دفاعاً عن طرف ما، قد ترك لنفسه الحبل على الغارب يلسع الآخرين لسعاً في كرامتهم و شرفهم و دينهم و وطنيتهم، لا يستند إلى دليل أو برهان، و لا يستسيغه المنطق أو العقل.

كنت ألمس في بعضها خوفاً باطناً يظهر في كلمات نارية قوية انفجارية في حين أن بعضها الآخر ينبيء عن عزلة و بعد عن مجريات التاريخ و الأحداث و حركة الشعوب و المجتمعات تنفثه ألفاظ طائفية مذهبية ممجوجة تبعث على الحقد و الضغينة و أخرى مستعلية متفرعنة تحتقر الآخرين و تتجاهل مطالبهم و مصالحهم و لا تلقي بالاً لأي شيء عداها، و أخرى ساخرة مستهزئة قد فقدت الأمل في أي شيء إن دخلت في التفاصيل فغرضها الإمعان في السخرية و الاستهزاء و إن حامت على كلية الأمور فغرضها الاستنكار و إظهار القرف.

و بعد معترك طويل هنا و هناك بين مستهزئ و مستعل و متعصب و مرجف و موتور وجدت أن المشكلة تكمن في لجوئنا إلى التخفي و استعمال الأسماء المزيفة و الميل إلى عدم الظهور و الكشف عن الذات و إضمار النوايا السيئة و ترك النفس تصول و تجول بدون أي ضوابط أخلاقية أو إنسانية أو حتى دينية، فلا أحد يعرف من صاحب هذه الآراء على الحقيقة و لا أحد يتحمل المسؤولية و بالتالي ما من محاسب أو مدقق. و النتيجة هي ضياع الحقوق و إيغار الصدور بالأحقاد و الضغائن و كيل الاتهامات على الغارب و بدون دليل أو بينة و إثارة الناس و تأليب بعضهم على بعض، و الخاسر الوحيد في كل هذه الفوضى و الجعجعة هو الوطن بكل من فيه من الضعفاء و المساكين و أصحاب الحقوق المهدورة.

و من أعقد و أفظع الأمور و أصعبها تتبعا و حلاً أنك كلما حددت شخصاً و عرفت مكنوناته و أردت أن تحذره و تنبه الناس منه و من إفساده، غير اسمه و خرج عليك بطلة أخرى و اسم آخر و نغمة مختلفة.

عندها وجدت نفسي أمام مشكلة أخلاقية يجب إيجاد حل لها بالسرعة القصوى حتى لا تزيد الهوة و تتعاظم المشكلة عمدت إلى توعية من حولي لتدارك هذا التيار المدمر. و بدأت الناس تلقي أعذارها وتعدد أسبابها، فمنهم خائف من الاعتقال و التسبب في إيذاء أهله من قبل أجهزة الأمن التي كشرت عن أنيابها و التي هي بالأصل تعتدي على الناس، و منهم من اعتبر هذا ضرباً من الخصوصية لا يجوز لأحد اختراقه أو حتى الاقتراب منه، و آخر اعتقد أن هذا جزءاً من حريته الشخصية و من العيب التعدي عليه، و منهم من اتهمني بالعمل لصالح أجهزة الأمن.

أيها السادة يا أبناء وطني القضية ليست قضية الحرية الشخصية أو الخصوصية، القضية هي قضية حرية الوطن و حركة التغيير و الإصلاح التي انطلقت فيه و أمن الناس الذين يدافعون عن مصالحه في الداخل و الخارج، إنها قضية قطع الطريق على أصحاب المصالح الضيقة و المتنفعين و الذين يعملون لحساب جهات داخلية و خارجية لها مصالح في إشعال الفتن و إدخال البلد في حرب طائفية ليتسنى لهم تنفيذ مآربهم و إبقاء حالة الفساد و التخلف.

أيها السادة يا أبناء بلدي ما عهدتكم إلا رجالاً شرفاء للحق راغبون، فإن كنتم مع أي طرف أو أي جهة أو تجمع أو حزب أو حتى مستقلين، أدعوكم لإيقاف حالة التخفي و استعمال الأسماء المزيفة و الخروج إلى الدنيا بأسمائكم و انتماءاتكم الحقيقية.

هذا الزمن هو زمن الحرية الذي قطعتم أكثر عمركم تسعون لها، فابدؤا بها من أنفسكم و من بيوتكم و أولادكم و في مواقفكم و آرائكم لتعم علينا في مجتمعاتنا و بلداننا و دولنا. إنه زمن الحرية التي تستطيع أن تفرضها أنت بنفسك و لا تنتظر أن يهبك إياها الآخرون.

يا أبناء بلدي إذا لم تنزعوا الخوف من صدوركم فلن تشعروا بالحرية في أنفسكم ؟
يا أبناء بلدي إذا لم تشعروا بالكرامة في أنفسكم فكيف ستعرفوا معنى الحرية في حياتكم ؟
يا أبناء بلدي إذا لم تعرف الدنيا من أنتم فكيف لمن يتعاطف معكم أن يساندكم ؟
يا أبناء بلدي إذا لم تعلنوا عن أنفسكم فستظلوا مطية لغيركم ؟
يا أبناء بلدي إذا لم تكونوا أحراراً في أنفسكم فكيف ستستحقوا الحرية في أي مكان على هذه الأرض ؟
يا أبناء بلدي إذا لم نفهم الدرس فلن نكون ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق