السبت، 19 مايو 2012

العمل الإغاثي من أجل السلطة أم من أجل الدعم ؟


لماذا هذه المنافسة الغير محمودة بين العاملين في مجال الإغاثة و دعم الداخل ؟
لماذا تتحول المنافسة إلى صراع  ؟
لماذا الكبير يريد أن يبتلع الصغير ؟
لماذا يصبح الصراع بديلاً للتكامل و التعاون ؟
أليس الهدف هو مد يد العون و كفاية المحتاجين و نجدة الجرحى و المصابين ؟

في الأعمال الربحية يبدأ المتنافسون بتقدير قيمة الطلب في السوق و عليه يتسابقون في الاستحواذ على أكبر حصة من هذه السوق .. فالتحالفات و التكتلات كلها تكون قد خطط لها للسيطرة على السوق و أما الاحتكار فهو ممنوع بعرف معظم الدول الواعية .. و هذا كله في النهاية يصب في مصلحة المواطن و إن لم يكن فأضعف الإيمان أنه لن يهدف إلى الإضرار بالمواطن و إلا قامت القيامة على الشركات ..

أما في الحالة السورية المحزنة فلا أحد حتى اليوم استطاع أن يقدر احتياجات الشعب السوري المنكوب في الداخل و لا حتى في الخارج و في نفس الوقت لا أحد أيضاً استطاع إلى اليوم أن يقيّم كفاءة الموارد المتاحة على سد الاحتياجات المطلوبة !!!

وبالتالي المستفيد الوحيد من هذه الأعمال الإغاثية و جمع التبرعات المالية و العينية هم القائمون عليها .. و المتضرر الوحيد منها هو المستفيد النهائي منها " اللاجئ أو النازح السوري" !!
لماذا ؟
لأنها تحسب عليه بمقدار ما تم تسليمه منها لا بمقدار ما تم جمعه منها !!

و في ظل غياب دراسة تحليلية تقدر حجم الاحتياجات برز عامل التحكم السياسي على الأرض الذي يدعي قدرته على سد الاحتياجات و لن يستطيع أحد أن يقيمه لغياب المعايير و الأهداف المحددة و بالتالي لن يستطيع أحد أن يقول له نعم أو لا أو أنك أهل لهذا أو لا  و تحت ضغط الحاجة سيستسلم المتبرعون له ، و بالتالي يصبح الهدف من العمل الإغاثي هو السيطرة على أموال الإغاثة و التبرعات لفرض الكلمة و الرأي على المحتاجين "ماذا يرفعون من شعارات" و مع من يتحالفون و ضد من و هكذا ، بدلاً من أن يكون الهدف سد جميع الاحتياجات ، و يمسي الخوف من المنافس الذي يعمل في نفس المجال كبيراً جداً على هذه السلطات المكتسبة و المتحققة مع الوقت و التي تتجه إلى الازدياد مع القضاء على المنافسين أو ابتلاعهم ..

و هنا يصبح السعي إلى السلطة أهم من تلبية الاحتياجات قيكثر المحتالون و تتنوع أغراضهم و آليات عملهم و تزداد العشوائية هرباً من الصراعات مع المتسلطين و بالتالي تصبح تكلفة الدولار الإغاثي عالية جداً قد تصل في بعض المناطق إلى 90% و من ثم يصبح تكريس وجود الاحتياجات هو المظهر الطاغي على ساحة العمل الإغاثي و ذلك لأن المهم هو المحافظة على هذه السلطات و ليس سد الاحتياجات ..

و لو كان سد الاحتياجات هو الهدف لما كانت المنافسة بين أطراف العمل الإغاثي و الإنساني قد تحولت إلى صراعات !!!
و لما حاول الكبير ابتلاع الصغير ، و لما وضعت العراقيل أمام إنشاء فعاليات و فرق إغاثية جديدة .. بل لكان التعاون و التكامل هما سيدا الموقف دائماً و هما السبيلان الأوحدان لرأب الصدع و سد الحاجة و القضاء على العوز و لكنا رأينا العدد الكبير من فرق الإغاثة  و الخدمات الإنسانية المنظمة و الموجهة بالشكل الصحيح ..

فلا نعجبن من تأخر النصر .. "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"

فما رأيكم دام فضلكم ؟؟!!!!!!

الثلاثاء، 15 مايو 2012

إلى صديقي المعارض


إلى صديقي المعارض الشريف خارج سورية الذي يفضل ألا يظهر بشخصه العظيم في أي مواجهة أو أي تحد من أجل أي شيء مهما كان .. و يفضل أن يبقى خلف ظهر مكين تخفيفاً للمخاطر و درءاً للمصائب و بعداً عن المهالك ، ظهرٌ يطابق التفكير، و يماشي الرغبات ، و لا يدفع إلى شيء يقلق راحة البال ، و يُبقي الواحد في أمان و اطمئنان ، و في الوقت نفسه يحقق بعض الأمجاد ، و يرفع القدر بين الأهل و الأقران كوطني مقدام .. 

أقول لك: لا شك أن هذه الثورة فتحت المجال لكل الناس أن تدلو بدلوها في معارضة هذا النظام المجرم ، و كل بحسب طاقته و خبرته و أخلاقه و مصالحه و تحالفاته الظاهرة و الخفية ، و لكل أجره و فضله بحسب مساهماته ..
و أنه لا بأس من إتاحة المجال - لمن لا يقوى على تحمل المخاطر حتى و إن كانت فقط في مخيلته - للمشاركة فيما يدعم الثورة ..

لكن يا صديقي أن تتحول بسبب اتشاحك بعلم الثورة أو نشرك لبعض العبارات أو مقاطع الفيديو على صفحتك في الفيسبوك أو حضورك حفلاً أو تبرعك ببعض المال إلى قاض أو مقيّم للسلوك مسلط على رأس الناس تحاسب الناشطين و معتقلي الرأي و أصحاب المبادرات الوطنية ، تقيم سلوكهم تارة و تهاجمهم تارة أخرى ، ثم ترفع هذا و تحط من قدر هذا ، و تعلي من شأن هذا و تضع هذا ، و تمجد هذا و تستصغر هذا ، وقت تشاء و أين تشاء ، فهذا لعمري مهزلة ليس بعدها مهزلة ..

من قال أن الثورة أتت لتهتك حدود الأدب بين الناس و تمنح الحق لك بالتطاول على من هم أرفع منك شأناً و أعلى منك قدراً و أطول منك باعاً في محاربة الظلم و الظلام ؟!!
من قال أن الثورة قامت على الأخلاق لا على سوء الأخلاق ؟!!
من قال أن الثورة أتت لتطلق الألسن في الباطل و الحق سواء بسواء ؟!!
و من قال أن الثورة هي لمساواة أهل المتع و الحظوظ و ضعاف القلوب و الحريصون على الدنيا بأهل الإيثار والتضحية و الشجاعة و البسالة ؟!!
من قال أن الثورة أتت لتفتح المجال لكل من هب و دب ليكون قاضيا يطبق معاييره الشخصية على من يشاء ؟!!

إذا لم تكن الثورة قد قامت على مساوئنا و عيوبنا و ضعفنا و تشرذمنا والأخذ على أيدي جهالنا و دعوة أهل العلم و الفضل و الأدب فينا لاستلام زمام أمورنا العامة ..
فسلام على تلك الدماء التي أريقت و على تلك الأرواح التي أزهقت و على تلك الأموال التي صرفت و على تلك الأملاك التي دمرت و على أؤلئك المعتقلين الذين لا يزالون يئنون تحت التعذيب و على أؤلئك النازحين في كل أرجاء الوطن و خارجه الذين أصابهم الذل و الفاقة ..
و أخيراً سلام على ذلك الأمل الذي نضيعه كل يوم بعدم سيرنا في الاتجاه الصحيح ..

الأحد، 13 مايو 2012

متى سنتخلص من قطاع الطرق الذين يظنون أنهم من رواد الثورة و قياداتها؟



ليس لأحد الحق في أن يجبر أو يضغط على الآخرين ليتبنوا موقفا سياسيا يميل إلى هذا أو إلى ذاك .. الرجل مهما يكن إسلاميا أو علمانيا أو ليبراليا أو قوميا عربيا أو كرديا أو مهما شاء أن يكون فهو في النهاية حر في اعتقاده و رأيه ..

و معايير التقييم الوحيدة المقبولة هي التزام الأخلاق و الالتزام بمصلحة الوطن و مصلحة أهله كلهم ..

كل سوري شريف يرفض أن يجعل مصلحة الفئة أعلى من مصلحة الوطن كما يرفض أن يتنازل عن قواعد الأخلاق في التعامل مهما كانت المصلحة السياسية شخصية أم فئوية هو ذلك السوري الذي يبعث الأمل في نفوسنا و ليس ذاك الوصولي المتسلق الانتهازي اللئيم ..

إن الكثيرين منا قد بنوا مواقفهم الداعمة للثورة على المبدأ الأخلاقي و ليس على مبدأ المصلحة ,, فدعونا لا نخدع أنفسنا و نركب أهواءنا .. و إذا كان هناك من يجب أن نرفع اسمه و نكرم ذكره و نقتدي به في هذا الصراع المصيري ، فهم أؤلئك الذين نطقوا الحق في وجه الجلاد هناك في سورية من معتقلي الرأي دعاة الإصلاح و حقوق الإنسان الذين يدفعون عنا جميعاً كل يوم من عذابهم و صحتهم و حريتهم و كرامتهم .. فلا يغرنكم ما تقدمون في مقابل ما قدموه .. و إن كان لكل نصيبه من الأجر .. 

الثلاثاء، 8 مايو 2012

روابطنا بين الواجب و الظن



صديقي في عينيه نظرة حزينة تلفها خيبة أمل .. حاولت أن أنساها لكن لم أستطع ما زالت تتراءى لي بين الفينة و الأخرى .. عندما تقابلنا الأسبوع الماضي بالصدفة ، فرح للقائي و بش في وجهي ، لكن دمعته التي تلألأت في عينه كانت أوضح من أن يخفيها و التي أوشكت أن تقفز من حجرها ..

رحب بي و الغصة كادت تخنقه .. ثم أشاح بوجهه لحظة يمسح دمعته ثم عاد مبتسماً مرحباً .. لم أستطع التغاضي عما جرى فقد لامست قلبي حرقته و أحسست بما يختلج مشاعره ..

و سألته بكل اهتمام ما الذي ألمّ به ؟

حاول أن يهرب من سؤالي بعينيه لكنه لم يفلح أمام إقبالي و حرصي عليه .. قال بصوت مختنق كأنه ينبعث من قبر عميق : لي صحبة عرفتهم منذ الصغر ثم عدنا و التقينا في الكبر جمعتنا الغربة و ضمتنا الذكريات و ألّفت بيننا المحن .. قلت هذا جميل ..
قال نعم خصوصا في هذه الأيام التي نكبنا فيها بوطننا فقد كانت اللقاءات فسحة للأمل .. قلت ما الذي جرى إذاً .. قال تعرفني ، لي طريقتي في التفكير و أنا صريح لا أداور و لا أناور أقول ما يعتمل في عقلي و أنتظر الردود و أبني الفكرة على الفكرة عسى أصل إلى كمال الفهم و النظرة ..
قلت و الله إنك خير جليس خبرته لا تصر على الخطأ و لا تتعنت في الرأي .. لكن لك عيب واحد أنك لا تجامل .. قال لكني لا أؤذي و لا أتطاول .. قلت صحيح .. قال: فجأة و بدون مقدمات وجدت نفسي مبعداً عن الصحبة و عن الجَمعات !!!
أتصدق هذا ؟ بدون أسباب أو مبررات !! لا أعرف ماذا جرى غير أنه كلما سألت متى اللقاء قالوا قريباً و هذا اليوم قد مضى شهر و لا جواب ..
طيبت خاطره و رجوت لصحبه الأعذار و عللته بكثرة المشاغل و بعد المسافات و صعوبة الظروف و مشقة الحياة .. قال لي و هو يهم بالوداع : أعلم كل هذا و لكن في داخلي حرقة لا أعلم كيف أطفئها ؟ .. تنهد ثم بادرني قائلاً: سامحني لقد صدعت رأسك بهمومي ، و لنبقى على اتصال .. فهززت برأسي و مضينا على أمل اللقاء ..

لقد آلمني حاله و مدى تأثره من مفاجأات أهل هذا الزمان .. فشخص مثله أهل للصحبة و المجالسة و حتى للمدارسة و الانتفاع ، مكسب لكل ذي عقل وعى و عرف نائبات الأيام و أهلها ، كيف يُفرَّط به هكذا و كثير هم من يتمنون صحبته ؟!!

بعد أيام و في أحد المجالس ظهرت ودودة في أحد الأركان ثم ما لبثت أن انتقلت عبر الحضور جماعة جماعة حتى وصل الحديث إلي .. قالوا فلاناً تعرفونه صاحب الحديث المتين و الشخصية القوية .. يقصدون صديقي .. إنه يتجسس على الناس يتتبع أخبارهم و يتقصى عن أحوالهم و يسبر أفكارهم كثير النقاش دقيق التفصيل لا يرضى حتى يعرف كل صغير و كبير .. أبعده أصحابه و نبذوه لإقحام أنفه في كل شاردة و واردة و لم يفهم .. لا زال يتصل بهم الواحد تلو الآخر يدعي الشوق لهم و الاطمئنان عليهم !! قلت و ماذا يريد من التجسس عليهم ؟
قالوا و ما أدرانا اسألوا صاحبه هناك في الركن هو من أخبر الناس بهذا ..
فبادرته معرفاً عن نفسي ثم سألته: هل ما يتداوله الناس صحيحاً في هذا المجلس عن فلان صديقه و صديقي ؟
قال: نعم
قلت و ما أدراك أنه يتجسس عليكم ؟
قال لقد ثبت لي بالدليل القاطع أن له أقرباء يعملون في أمن النظام و أنه على علاقة بهم ..
قلت : له أقرباء يعملون مع أمن النظام هذه يشاركه فيها الكثيرون و منهم أنا و أما عن علاقته بهم فكيف لكم أن تقيموها ؟
قال: من طريقة مناقشته للقضايا و سؤاله عن الأمور و أسلويه في تقصي الحقائق ..
قلت و هل تسبب بأذية لأي منكم ؟
قال و هل ننتظره ليقوم بذلك ؟!!
قلت وبأي جريرة تشوهوا سمعته بعد أن أقصيتموه و أبعدتموه و نبذتموه ؟؟؟
قال و ما شأنك أنت ؟
قلت صديقي و أحبه و أثق به ..
قال: و أقرباءه ؟
قلت: إذا كنتم قد اعتبرتم من انشق من رجال الأمن عن النظام بطلاً .. أفلا يكون صديقنا بطل الأبطال الذي لم يُخفِ يوماً موقفه من هذا النظام الفاسد حتى قبل الثورة حين كان الكثيرون لا يبالون ؟!! ألا يكفي أنه لم يستخدم أسماء مستعارة و أنه يصدح بالحق لا يخاف في الله لومة لائم ؟!! ألا يكفي أن يتبرع بكل ما يزيد عن حاجته لإغاثة المحتاجين و أنه يساعد في العديد من الأعمال الخيرية في أوقات فراغه ؟!!

هب رجل من الحضور قاطعاً الهمس و الودودة الدائرة بدت في وجهه قسمات القوة و الجرأة ينظر في وجوهنا و الشرر يتطاير من عينيه حتى توقف عند صاحبنا .. أحس الجميع و كأنه يريد أن يهم لضربه .. قال بصوت غاضب: أنا ضابط أمن سابق عملت مع النظام حتى حانت الفرصة قطلبت التقاعد المبكر و حصلت عليه أمضيت عشرون عاماً أدرس تقارير المخبرين و أصنفها و أرتبها و أدققها ، عرفت كل أشكال المخبرين و أنواعهم و رأيت أثرهم المدمر على البلد و خطرهم على أصحاب الفكر و الرأي من المثقفين و الوطنيين الشرفاء .. لكني عرفت خطراً أكبر من خطرهم و بلاء أشد من بلائهم ألا هو أمثالك وأمثال كل من يميل على ميلك .. و والله ما دمر أمتنا شيئاً مثل تفككنا و تخلينا عن بعضنا البعض و طعننا لبعضنا البعض في الظهر .. و بدلاً من أن نعمد إلى تقوية وشائج محبتنا و قرابتنا و صداقتنا أتى من هم مثلك و مثل من يصدقك ففرقوا الصف و ضيعوا الكلمة و سمحوا للغرباء في اختراقنا حتى باتت كثرتنا لا تغني عنا و لا تذبً و أصبح عدونا على قلته يتحكم فينا و يخيفنا .. و و الله لن يكتب لهذه الثورة النصر ما دام يتحكم فينا المرجفون و الموتورون و المنافقون و المتسلقون و عديمو الضمير و الأخلاق الذين يركبون أهواءهم و يميلون مع نفوسهم و مصالحهم و شهواتهم ليس لهم قيماً يتبعونها و لا مبادئ يدافعون عنها يعبدون الشهرة و المجد و الظهور و المال و السلطة لا يهمهم وحدة صف و لا وحدة كلمة ، يرون أنفسهم أهم من الوطن و مقدساته و لا يعني لهم الدم المسفوك و العرض المسفوح إلا فرصة لتحقيق أهدافهم .. ألا هانوا و هان من يتبعهم و ذلوا و ذل من معهم .. اللهم اهزم الباطل و أهله و انصر الحق و أهله .. و سلّم و مضى ..

ساد الصمت قليلاً ثم بدأ الناس بالانصراف .. و أنا لا زلت متسمراً في مكاني أجيل النظر في ما سمعت ، لقد هالني حالنا و ما نحن عليه .. لقد صدق الرجل كيف لنا أن نترك واجباتنا تجاه بعضنا البعض و هي أمور أكيدة مطلوبة عرفاً و شرعاً و عقلاً و نهرب إلى الشكوك و إشاعة الفتن و إثارة الظنون .. قبل سنة من عمر الثورة كان الناس يحتجون بالأربعين سنة الماضية التي طمست الحقائق و غيرت الأخلاق .. فما بال الناس اليوم بعد أربعة عشر شهراً من الكفاح و النضال ؟

إن الحرية و الكرامة معان إن لم نحسها في صدورنا لن تطالها أيدينا و لن تتكحل بها أعيننا مهما بلغ الثمن ..

الأحد، 6 مايو 2012

هل التسلق في آخر أيامه ؟



كثيرا ما اعتدنا رؤية الظواهر تنتهي عندما يستعر أوارها و تشتد نارها فتحرق من حولها ثم تقضي على مادتها و تخمد في قاعها و لا أدل على التسلق من كثرة المتسقين على الثورة هذه الأيام
و لا أطرف من التعرف على المتسلق و طريقة التعامل معه ؟ فهذا مما يدفع عنا بعض البلايا و يريحنا من أوجاع الخسائر و الهدر في الجهود و الموارد ..

فالمتسلق هو شخص طموح جداً وجد أن طريقة نبات اللبلاب في تسلق أي شيئ في طريقه هي أفضل الطرق للوصول إلى الأعلى معتمداً على ما يمكن الاتكاء عليه و إن آذاه ليصبح أكثر اخضراراً و أعلى شأناً ..
و التسلق هو أحد المهارات اللاأخلاقية التي تختصر على صاحبها الكثير من التعب المستحق و الجهد المطلوب لتحقيق الأحلام و الأماني في وقت قياسي نسبة إلى ما يتطلبه الوصول إلى الأهداف عند من يلتزم الأدوات و المهارات الأخلاقية من أصحاب الوجدان ..

و على عكس الكثيرين من أصحاب المبادئ و القيم الذين يأبون الحصول على ما لا يستحقونه خوفاً من أن يكونوا قد حرموا غيرهم من أصحاب الاستحقاق حقهم .. يقوم المتسلقون بانتهاز الفرص و استغلال حاجات الآخرين بمنتهى الهدوء و التخطيط للوصول إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه غير عابئين بأخلاق أو قيم أو حقوق ..

و ما يساعد المتسلقين على المضي بتنفيذ مآربهم هو التبرير الذاتي لأفعالهم من عدة زوايا هي :
- أولاً حجة امتلاكهم القدرة التي لا يمتلكها غيرهم و يردون ذلك إلى عامل التفوق في امتلاك الذكاء على التخطيط و القدرة على التنفيذ ، فهم متفوقون على غيرهم في القدرة على النجاح في التسلق و الوصول إلى الغاية أو الهدف المطلوب ..
- ثانياً نظرتهم إلى ما يريدون تحقيقه أنه حق مشروع لهم طالما أنهم يستطيعون الحصول عليه في حين أن غيرهم لا يراه حقاً مشروعاً و لو اعتبره كذلك لفعل مثلهم و سعى لما سعوا له ..
- ثالثاً مهاراتهم الاجتماعية في التواصل و الاختلاط و الاندماج ليس إلى درجة التكيف مع الظروف و هذه مهارة إيجابية .. بل إلى درجة التماهي مع الظروف مهما كانت و إن خالفت المعتقد أو الأخلاق أو العرف ..
- رابعاً الأنانية المغرقة إلى درجة أن يجعلوا مصالحهم فوق مصالح غيرهم من المجتهدين و أصحاب الحقوق .. حجتهم أن كل البشر ينطلقون من نفس المنطلق و ما هو حق لغيرهم فمن باب أولى أن يكون حقاً لهم ..
- خامساً لديهم القدرة على تحمل الإهانة بطريقة عجيبة إذ يجدون دائماً لها التأويلات و المبررات طالما المصلحة مستمرة .. لكن عندما يتبين إمكانية انعدام المصلحة يصبحون كالأفاعي السامة لا تعلم من أين تأتي لدغتها القاتلة ..

و في الوقت الذي ينجح فيه البعض بسبب طول خبرتهم و تجربتهم و تمكنهم و اتقانهم لجميع الفنون والمهارات المطلوبة فإن الكثيرين يفشلون لانكشاف نواياهم مبكراً و اطلاع من حولهم على أساليبهم اللاأخلاقية و الوصولية و الانتهازية ..

و من العلامات الفارقة للمتسلقين و التي تميزهم و تودي بهم إلى عتبة الازدراء عند المجتمعات ما يلي:
- قلة صبرهم
- تذبذبهم عند المغارم
- نكوثهم الوعود و العهود
- ميلهم للأقوى و لو على الباطل
- التآمر عند اللزوم
- استهتارهم بحقوق الناس
- استغلالهم لأخطاء و هفوات الآخرين
- استغلالهم الضعفاء وأصحاب الحاجات
- خشيتهم البوح بآرائهم
- لا يناضلون من أجل المبادئ بل من أجل ما سيحصلون عليه من نضالهم لأجلها
- تواضعهم و تعاليهم رهنا بالمصالح
- عشقهم للظهور
- الادعاء و التكلف
- تلونهم بحسب لون أصحاب القرار

من أشد أضرارهم على المنظمات و إن لم يكونوا في سدة الهرم منها : أنهم يسخرون مواردها و فرصها لمصالحهم الشخصية و إن تكلف ذلك مصلحة المنظمة أو العاملين فيها كما أنه لا يمنعهم من أن يضيعوا على المجتمع الكثير من المنافع إن لم تتحقق منافعهم كاملة بغير انتقاص ..
كما أنهم لا يجدون أي مانع أخلاقي من إزاحة من يقف في طريق تحقيق مآربهم حتى إن كان من أصحاب الفضل عليهم و حتى إن كان ممن يدافعون عن الحقوق أو يحمونها ..

لكن السؤال الذي يستثير الفكر هو هل هؤلاء كثير أم قليل في بيئتنا اليوم ؟
و ما هي البيئة المناسبة لوجودهم ؟

في الحقيقة إن وجودهم بلاء لا مفر منه .. لكنه مرتهن بتوفر البيئة المناسبة .. فعندما تتشوش القيم في نفوس البشر و تهتز الأخلاق و تضيع حدود الصواب و تمتزج بالخطأ و يصعب تمييزها على الناس و يكثر المتفيهقون و المدعون و يغيب أهل الفضل و العلم و يفرض أهل المال كلمتهم لمالهم و ليس لعقلهم و فضلهم .. عندها يكون زمن المتسلقين قد أتى و آن آوانه ..

لكن في أيام الثورة هذه أعتقد أن الأمور بدأت تتطور لحساب أهل الأخلاق و القيم و أرى أن الوعي بدأ ينمو في المجتمعات السورية في الداخل أكثر من الخارج و أن هؤلاء المتسلقون و إن طال وجودهم قليلاً بعد إلا أن نهايتهم أصبحت في مجال الرؤية و التمييز ..

و المستقبل للصادقين المجتهدين ..