إلى صديقي المعارض الشريف خارج سورية الذي يفضل ألا يظهر
بشخصه العظيم في أي مواجهة أو أي تحد من أجل أي شيء مهما كان .. و يفضل أن يبقى
خلف ظهر مكين تخفيفاً للمخاطر و درءاً للمصائب و بعداً عن المهالك ، ظهرٌ يطابق
التفكير، و يماشي الرغبات ، و لا يدفع إلى شيء يقلق راحة البال ، و يُبقي الواحد
في أمان و اطمئنان ، و في الوقت نفسه يحقق بعض الأمجاد ، و يرفع القدر بين الأهل و
الأقران كوطني مقدام ..
أقول لك: لا شك أن هذه الثورة فتحت المجال لكل الناس أن
تدلو بدلوها في معارضة هذا النظام المجرم ، و كل بحسب طاقته و خبرته و أخلاقه و
مصالحه و تحالفاته الظاهرة و الخفية ، و لكل أجره و فضله بحسب مساهماته ..
و أنه لا بأس من إتاحة المجال - لمن لا يقوى على تحمل
المخاطر حتى و إن كانت فقط في مخيلته - للمشاركة فيما يدعم الثورة ..
لكن يا صديقي أن تتحول بسبب اتشاحك بعلم الثورة أو نشرك
لبعض العبارات أو مقاطع الفيديو على صفحتك في الفيسبوك أو حضورك حفلاً أو تبرعك
ببعض المال إلى قاض أو مقيّم للسلوك مسلط على رأس الناس تحاسب الناشطين و معتقلي
الرأي و أصحاب المبادرات الوطنية ، تقيم سلوكهم تارة و تهاجمهم تارة أخرى ، ثم ترفع
هذا و تحط من قدر هذا ، و تعلي من شأن هذا و تضع هذا ، و تمجد هذا و تستصغر هذا ، وقت
تشاء و أين تشاء ، فهذا لعمري مهزلة ليس بعدها مهزلة ..
من قال أن الثورة أتت لتهتك حدود الأدب بين الناس و تمنح
الحق لك بالتطاول على من هم أرفع منك شأناً و أعلى منك قدراً و أطول منك باعاً في
محاربة الظلم و الظلام ؟!!
من قال أن الثورة قامت على الأخلاق لا على سوء الأخلاق
؟!!
من قال أن الثورة أتت لتطلق الألسن في الباطل و الحق سواء
بسواء ؟!!
و من قال أن الثورة هي لمساواة أهل المتع و الحظوظ و ضعاف
القلوب و الحريصون على الدنيا بأهل الإيثار والتضحية و الشجاعة و البسالة ؟!!
من قال أن الثورة أتت لتفتح المجال لكل من هب و دب ليكون
قاضيا يطبق معاييره الشخصية على من يشاء ؟!!
إذا لم تكن الثورة قد قامت على مساوئنا و عيوبنا و ضعفنا
و تشرذمنا والأخذ على أيدي جهالنا و دعوة أهل العلم و الفضل و الأدب فينا لاستلام
زمام أمورنا العامة ..
فسلام على تلك الدماء التي أريقت و على تلك الأرواح التي
أزهقت و على تلك الأموال التي صرفت و على تلك الأملاك التي دمرت و على أؤلئك
المعتقلين الذين لا يزالون يئنون تحت التعذيب و على أؤلئك النازحين في كل أرجاء
الوطن و خارجه الذين أصابهم الذل و الفاقة ..
و أخيراً سلام على ذلك الأمل الذي نضيعه كل يوم بعدم
سيرنا في الاتجاه الصحيح ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق