الأحد، 6 مايو 2012

هل التسلق في آخر أيامه ؟



كثيرا ما اعتدنا رؤية الظواهر تنتهي عندما يستعر أوارها و تشتد نارها فتحرق من حولها ثم تقضي على مادتها و تخمد في قاعها و لا أدل على التسلق من كثرة المتسقين على الثورة هذه الأيام
و لا أطرف من التعرف على المتسلق و طريقة التعامل معه ؟ فهذا مما يدفع عنا بعض البلايا و يريحنا من أوجاع الخسائر و الهدر في الجهود و الموارد ..

فالمتسلق هو شخص طموح جداً وجد أن طريقة نبات اللبلاب في تسلق أي شيئ في طريقه هي أفضل الطرق للوصول إلى الأعلى معتمداً على ما يمكن الاتكاء عليه و إن آذاه ليصبح أكثر اخضراراً و أعلى شأناً ..
و التسلق هو أحد المهارات اللاأخلاقية التي تختصر على صاحبها الكثير من التعب المستحق و الجهد المطلوب لتحقيق الأحلام و الأماني في وقت قياسي نسبة إلى ما يتطلبه الوصول إلى الأهداف عند من يلتزم الأدوات و المهارات الأخلاقية من أصحاب الوجدان ..

و على عكس الكثيرين من أصحاب المبادئ و القيم الذين يأبون الحصول على ما لا يستحقونه خوفاً من أن يكونوا قد حرموا غيرهم من أصحاب الاستحقاق حقهم .. يقوم المتسلقون بانتهاز الفرص و استغلال حاجات الآخرين بمنتهى الهدوء و التخطيط للوصول إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه غير عابئين بأخلاق أو قيم أو حقوق ..

و ما يساعد المتسلقين على المضي بتنفيذ مآربهم هو التبرير الذاتي لأفعالهم من عدة زوايا هي :
- أولاً حجة امتلاكهم القدرة التي لا يمتلكها غيرهم و يردون ذلك إلى عامل التفوق في امتلاك الذكاء على التخطيط و القدرة على التنفيذ ، فهم متفوقون على غيرهم في القدرة على النجاح في التسلق و الوصول إلى الغاية أو الهدف المطلوب ..
- ثانياً نظرتهم إلى ما يريدون تحقيقه أنه حق مشروع لهم طالما أنهم يستطيعون الحصول عليه في حين أن غيرهم لا يراه حقاً مشروعاً و لو اعتبره كذلك لفعل مثلهم و سعى لما سعوا له ..
- ثالثاً مهاراتهم الاجتماعية في التواصل و الاختلاط و الاندماج ليس إلى درجة التكيف مع الظروف و هذه مهارة إيجابية .. بل إلى درجة التماهي مع الظروف مهما كانت و إن خالفت المعتقد أو الأخلاق أو العرف ..
- رابعاً الأنانية المغرقة إلى درجة أن يجعلوا مصالحهم فوق مصالح غيرهم من المجتهدين و أصحاب الحقوق .. حجتهم أن كل البشر ينطلقون من نفس المنطلق و ما هو حق لغيرهم فمن باب أولى أن يكون حقاً لهم ..
- خامساً لديهم القدرة على تحمل الإهانة بطريقة عجيبة إذ يجدون دائماً لها التأويلات و المبررات طالما المصلحة مستمرة .. لكن عندما يتبين إمكانية انعدام المصلحة يصبحون كالأفاعي السامة لا تعلم من أين تأتي لدغتها القاتلة ..

و في الوقت الذي ينجح فيه البعض بسبب طول خبرتهم و تجربتهم و تمكنهم و اتقانهم لجميع الفنون والمهارات المطلوبة فإن الكثيرين يفشلون لانكشاف نواياهم مبكراً و اطلاع من حولهم على أساليبهم اللاأخلاقية و الوصولية و الانتهازية ..

و من العلامات الفارقة للمتسلقين و التي تميزهم و تودي بهم إلى عتبة الازدراء عند المجتمعات ما يلي:
- قلة صبرهم
- تذبذبهم عند المغارم
- نكوثهم الوعود و العهود
- ميلهم للأقوى و لو على الباطل
- التآمر عند اللزوم
- استهتارهم بحقوق الناس
- استغلالهم لأخطاء و هفوات الآخرين
- استغلالهم الضعفاء وأصحاب الحاجات
- خشيتهم البوح بآرائهم
- لا يناضلون من أجل المبادئ بل من أجل ما سيحصلون عليه من نضالهم لأجلها
- تواضعهم و تعاليهم رهنا بالمصالح
- عشقهم للظهور
- الادعاء و التكلف
- تلونهم بحسب لون أصحاب القرار

من أشد أضرارهم على المنظمات و إن لم يكونوا في سدة الهرم منها : أنهم يسخرون مواردها و فرصها لمصالحهم الشخصية و إن تكلف ذلك مصلحة المنظمة أو العاملين فيها كما أنه لا يمنعهم من أن يضيعوا على المجتمع الكثير من المنافع إن لم تتحقق منافعهم كاملة بغير انتقاص ..
كما أنهم لا يجدون أي مانع أخلاقي من إزاحة من يقف في طريق تحقيق مآربهم حتى إن كان من أصحاب الفضل عليهم و حتى إن كان ممن يدافعون عن الحقوق أو يحمونها ..

لكن السؤال الذي يستثير الفكر هو هل هؤلاء كثير أم قليل في بيئتنا اليوم ؟
و ما هي البيئة المناسبة لوجودهم ؟

في الحقيقة إن وجودهم بلاء لا مفر منه .. لكنه مرتهن بتوفر البيئة المناسبة .. فعندما تتشوش القيم في نفوس البشر و تهتز الأخلاق و تضيع حدود الصواب و تمتزج بالخطأ و يصعب تمييزها على الناس و يكثر المتفيهقون و المدعون و يغيب أهل الفضل و العلم و يفرض أهل المال كلمتهم لمالهم و ليس لعقلهم و فضلهم .. عندها يكون زمن المتسلقين قد أتى و آن آوانه ..

لكن في أيام الثورة هذه أعتقد أن الأمور بدأت تتطور لحساب أهل الأخلاق و القيم و أرى أن الوعي بدأ ينمو في المجتمعات السورية في الداخل أكثر من الخارج و أن هؤلاء المتسلقون و إن طال وجودهم قليلاً بعد إلا أن نهايتهم أصبحت في مجال الرؤية و التمييز ..

و المستقبل للصادقين المجتهدين .. 

هناك تعليقان (2):

  1. كلمات في غاية الروعة والواقعيةوهذا التفصيل المبدع في كشف حقيقة هؤلاءوربما الظروف الأخيرة ساعدت جداً على تمييزهم وتحديد ملامحهم وكشف أساليبهم وتوضيح رؤاهم وكما تفضلت سيدي المستقبل للصادقين والمجتهدين..لك كل الشكر ...

    ردحذف