السبت، 7 أبريل 2012

من المعارضة السياسية إلى الخدمة الاجتماعية



في المعارضة السياسية
سمعنا الكثير عن السوريين و ما قيل فيهم ابتداءً مما قاله الرئيس السوري شكري القوتلي للراحل جمال عبد الناصر هامساً في أذنه بعد التوقيع على قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسورية العام 1958، قائلاً "أريد أن أسلمك ملايين السوريين نصفهم أنبياء، والنصف الآخر زعماء"
و انتهاء بما رأيته بأم عيني و ما سمعته بأذني من قيادات المعارضة السياسية السورية و الناشطين المستقلين - في مؤتمراتهم التي حضرتها في تركيا و ما طفى على الإعلام و ما وصل عن طريق الأصدقاء و ما دعيت له من تحزبات و تجمعات و ما شاركت فيه من منظمات و اتحادات - من اعتداد بالنفس كبير جدا لدرجة لا يطاق عند بعض الشخصيات إضافة إلى الإصرار على الرأي و الصدام في حال الاختلاف مع الآخرين ، و الخروج عن محاور النقاش الرئيسية و الدخول في المهاترات ، و استعمال التشهير وسيلة إقناع و ضغط للوصول إلى الأهداف ، و انتشار الغيبة و النميمة ، و تفشي الشك و التخوين تجاه كل من لم يعجب قوله أو فكره أو من لا يوافق الرأي خصومه ، و محاولة الكثيرين لعب دور المعرقل و العائق في وجه أي اتفاق أو انسجام لإظهار الأهمية و فرض الوجود بطريقة إن لم تشركون لما يمكن أن أفيدكم منه ستشركوني لما يمكن أن أضركم به
و انتشار لعبة العض على الأصابع و الدفع خلسة من أعلى الهاوية و القفز على الخطوط الحمراء و اللوبي الخفي و الخلاف في الظاهر مع الاتفاق في الباطن و لعبة نوافق في الظاهر و نعطل في الباطن و لعبة من يظهر على الشاشة أولاً و من يستحوذ على المايك أطول فترة ممكنة و لعبة الجوكر الذي تجده في كل مكان و لعبة البيان الختامي و لعبة ضيق الوقت
و أكبر لعبة و أهم لعبة هي تلك التي يلعبها الجميع و التي تحوز على اهتمام الجميع و التي تضم الكثيرين و التي تلهب مشاعر المشاهدين و المستمعين و تحبس الأنفاس و تجيش الشباب و تخرج الفلوس من الجيوب و التي تنفر لها الدموع من المآقي و العيون و ترتعش لها القلوب و الأبدان " لعبة هذا ما يريده الداخل و الدماء تسيل و الأعراض تغتصب " هذه اللعبة الكل مشارك فيها و الكل يشاهدها و يسجل النقاط فيها و يشجع أكثر اللاعبين تأثيراً و ظهوراً ، تصريحاته تلهب الحماس و تقطع الأنفاس تحسبه في ساحات المعارك يصول و يجول و كأن الأعداء لاقتحامه يتساقطون عن اليمين و الشمال تقول بعد كل جولة لا بد أنه قد سقط النظام و انهزم الأزلام ..
و الغريب أن كل أطياف المعارضة من الإسلاميين إلى العلمانيين يريدون دولة تعددية ديمقراطية ، الدستور و القانون فيها أعلى من الجميع و المواطنون فيها متساوون أما القانون في الحقوق و الواجبات بغض النظر عن الدين و العرق و المذهب ، و قد تليت فيها البيانات الختامية و أعلنها القاصي و الداني كمطلب وطني .. ثم لماذا يختلفون ؟!!!!!!!!

سامحون على الإطالة أتكلم من قلب جريح لما آل إليه حالنا و ما عليه أحوالنا .. أعود إلى موضوعي الذي أردت أن أشارككم فيه ..

الطريق إلى الخدمة الاجتماعية
بعد هذه السياحة رجعت إلى بيتي في الرياض محبطاً يائسا من أي عمل دعيت للمشاركة فيه مع المعارضة ، أفتش في ثنايا آلامنا عن تشخيص لحالتنا و تحديد لمرضنا عسى أجد له دواءً يبريه أو حلاً يخلصنا مما نحن فيه .. فعمدت إلى حاسوبي أكتب عما أجده و أنشره في كل مكان و أتلقى عليه الردود والتعليقات و شيئ فشيئ أصبح يتراء لي طيف المشكلة ، و بالتحليل و المقارنة بدأت أرى جوانب تعكس ضعف الوعي السياسي الذي يعتمد على فهم الواقع و إدراك القوى الفاعلة و فهم موازين المصالح ، ثم ظهرت لي جوانب أخرى تشير إلى قصور المهارات الإدارية و التنظيمية في إعداد المؤتمرات و اختيار محاورها و طريقة إدارتها و كيفية الاستفادة منها ، إضافة إلى ضعف الخبرة في بناء التحالفات و الشراكات و الالتزام بها و تفعيلها و كذلك في التخطيط و بناء الفرق و اكتشاف القيادات ، كما بدا لي وجود أمراض خطيرة ظهرت من خلال الخطاب الفئوي تارة و المذهبي تارة في الدين و السياسة و القومية سواء بسواء ، و في حين أن كثيرا من مؤتمرات المعارضة كانت تخرج بنسب جيدة من التوافق إذا ما قيست بغيرها من مؤتمرات العالم الغربي التي تحقق و تلتزم بكل ما يتفق عليه فيها ، إلا أن مؤتمراتنا لم تستطع تحقيق القليل مما توافقت عليه ..
و بعد تحليل و دراسة و تقييم للوضع السوري في الخارج على الصعيد الاجتماعي و السياسي و التربوي
وجدت في أغلب السوريين - و أقول أغلب و ليس الكل – العيوب التالية :
- أن السوري لا يعرف حقوقه بل نسي أن له حقوقاً
- أن السوري يخاف من أن يظهر له حق فيضطره إلى المطالبة به
- أن السوري يشعر بالشك تجاه من ينبهه لحقوقه
- أن السوري لا يملك وعياً قانونياً
- أن السوري لا يعرف ما معنى السياسة ولا يفرق ما بين العمل السياسي و الدعوي و التربوي
-  أن السوري لا يثق بالمشايخ و الفقهاء
- أن السوري فقير في المهارات الإدارية و التنظيمية
- أن السوري لا يملك مهارات العمل في إطار الفريق خصوصاً
- أن السوري لا يثق بعمل أخيه في الأعمال الجماعية
- أن السوري يخاف من أخيه السوري عامة و إذا كان هناك خلاف في الدين أو المذهب أو العرق تضاعف خوفه أضعافاً
- أن السوري لا يشعر بالرغبة لفهم القوانين للتعرف على حقوقه و تحسين حياته و إنما للتعرف على ما يجب عليه معرفته لعدم الوقوع في المخالفة
- أن السوري يعوض عن جهله في السياسة و القانون بالشريعة
- أن السوري يظن أن تحسين ظروف حياته تأتي مع زيادة المال أو الحصول على الشهادات فقط
- أن السوري مصاب إما بحمى المناصب أو عصابها و هو يخلط ما بين مفهوم القيادة كسلوك و مفهوم الزعامة أو الإمارة كمنصب
- أن السوري لا يوجد في قاموسه الاجتماعي مفهوم التعاون أو التكامل
- أن السوري لا يملك إلا شخصية تنافسية و لا يتقن غيرها
- أن السوري لا يؤمن بالمبادرة و يرتعب من أصحاب المبادرات و ينظر لهم بريبة و يتعامل معهم بارتباك وعدائية
- أن السوري يرتعب من الأنشطة الاجتماعية التنظيمية لدرجة أن يظن أن كل نشاط اجتماعي منظم هو عمل مخالف للقوانين دون أن يتأكد أو يسأل
- أن السوري لا يعرف كيف يفرق بين احترام رجل القانون أو رجل الأمن  و الخوف منه ، فالخوف منه هي السمة المسيطرة
- أن السوري ليس لديه خبرة بالتعامل مع الإعلام و الصحافة
- أن السوري يكره أن يعاد إلى سورية نهائي كما يكره أن يقذف في النار
و وجدت في معظم السوريين المزايا التالية :
- أن السوري مجتهد طموح
- أن السوري أهل لتحمل المسؤولية إذا أعجبته المهمة
- أن السوري يريد التغيير قد ملّ حياة الخنوع و ضاق ذرعاً بها
- أن السوري لا ييأس
- أن السوري صاحب همة و بذل
- أن السوري يرتكز على الإيمان للشعور بالسعادة و الرضى
- أن السوري واثق بنفسه معتد برأيه
و وجدت في مجتمع الجالية السورية في الخليج ما يلي :
- أن السوريين قد ركزوا على الأعمال المهنية أكثر بكثير من الإدارية
- أن السوريين ليس لهم حياة اجتماعية واسعة إنما تقتصر على العائلة فقط
- أن السوريين ليس لهم أنشطة ثقافية أو أدبية أو رياضية تذكر بالرغم من ضخامة الجالية السورية في دول الخليج
- أن السوريين ليس لهم جمعيات خيرية تساعد من يقع في الحاجة أو تلم به مصيبة
- أن السوريين لا يملكون وسيلة تواصل فيما بينهم تحكي أخبارهم أو تربط بينهم
- أن جهل السوريين بقوانين دول الاغتراب قد أوقعهم فريسة للنصب و الخداع و الظلم
- أن لجوء السوريين إلى محاكم دول الاغتراب لحل قضاياهم قد زاد في تعقيد الكثير منها بسبب الاختلاف الاجتماعي و الثقافي
- أن السوريين قد وجهوا أنظارهم إلى الداخل السوري و نسوا أبناء جاليتهم تماماً
و كانت النتيجة ما يلي:
- أنه آن لنا أن نفقه ما لنا و ما علينا فنحترم ما التزمنا به و نستفيد مما ترك لنا الخيار فيه
- أنه يجب علينا العمل على إعادة الصلات و الروابط فيما بيننا
- إيجاد إطار تنظيمي يحقق لنا التعاون و التكافل عندما يحتاج واحدنا لمساعدة الآخر في عمل جراحي أو مصروف دراسي أو تكلفة قانونية أو قضائية أو عسر مالي
- إيجاد مرجعية واحدة تخدم مصالحنا و تعيننا في مشكلاتنا
- إيجاد مدارس تتقذنا من مخاطر القبول أو الرفض الجامعي لأولادنا و توفر علينا أموالاً طائلة نخسرها
- إيجاد إطار اجتماعي تتحقق معه حياة اجتماعية نشعر فيها بخصوصيتنا نتبادل فيها أفراحنا و أحزاننا و نتشارك فيها آلامنا
- إيجاد إطار تنظيمي ينسجم مع الأطر القانونية لدول الاغتراب التي نعيش فيها و يحترم خصوصياتها
- إيجاد إطار تنظيمي نتدرب فيه على دولتنا المنشودة التعددية الديمقراطية كيف سنعيش فيها ، نتعلم من خلاله كيف نكتشف ما نتفق عليه لا ما نختلف فيه ، نتعلم من خلاله أن نتعامل مع بعضنا البعض بالرغم من اختلافاتنا و تنوعنا
- إيجاد إطار تنظيمي نتدرب فيه على أن نكون أعضاء في فرق عمل نتخلص فيها من فرديتنا و أنانيتنا
- إيجاد إطار نتدرب فيه على العطاء و نكرس فيه روح البذل في سبيل الآخر دون انتظار لرد الجميل
- إيجاد إطار وطني أخلاقي خيري نتخلص فيه من أمراضنا
و كان الحل:
و بعد كثير من المناقشات و الحوارات كان الحل هو إعادة تأسيس الجالية السورية التي كانت قد قضت عليها سفاراتنا الأسدية في منطقة الخلي العربي قد قضت على روحها و أثرها الطيب و لا أريد أن أخوض في هذا هنا فأنتم تعلمون ماذا فعلوا كما أعلم .. و في الحادي عشر من سبتمبر العام الماضي عام الثورة و الكرامة و الحرية أتى معه تأسيس الجالية السورية في دول الخليج العربي ليكون أول إطار وطني حقيقي يبنى على طريق الدولة التي تعاهدنا على العمل على قيامها و أقسمنا اليمين على ذلك في مؤتمراتنا ..

جميل داغستاني
7 / 4 / 2012

الخميس، 5 أبريل 2012

التدوين و أثره في الثورة السورية


التدوين و أثره في الثورة السورية
الثلاثاء 3 / 4 /2012
جميل داغستاني

لعله من المعروف أن التدوين بمختلف أشكاله و أنواعه لم يكن لتتاح له الفرصة في سورية في مجتمع يرزح تحت نظام أمني قمعي بامتياز كبت الحريات و كمم الأفواه و عطل الأقلام واختزل الإعلام بتمجيد القيادة و القائد ، حتى الوسائل التي من الممكن استغلالها في التدوين سواء الوسائل المتعلقة بتقنية المعلومات أو الطباعة و النشر الورقي لم تكن في متناول الأيدي ..

الفسح الإعلامي
كانت المجلات و الصحف حكرا على مؤسسات الإعلام الحكومي الرسمي فقط ولم تكن المجالس المحلية و البلديات أو غرف التجارة و الصناعة أو الجامعات أو المعاهد أو المسارح أو المراكز الثقافية أو النوادي الرياضية أو الثقافية و الأدبية باستطاعتها إصدار أية مطبوعة بدون إذن وزارة الإعلام و موافقة الأمن السياسي و العسكري و في غالب الأوقات لم تعطى لأي من هذه الجهات المذكورة تراخيص لنشر مجلات دائمة و إنما نشرات دورية لا تتعدى الأربعة في السنة و يشترط أن يتم الحصول على إذن طباعة و نشر لكل إصدار على حدة أي أربع مرات في السنة ..
طبعا و من يحصل على ترخيص كامل فحتما هو شريك لأحد أركان القيادات السياسية أو الأمنية .. و لذلك كان معظم الصحافيين السوريين لا يجدون إلا الدول الأجنبية أمامهم ليحصلوا على تراخيصهم منها ثم يبدأوا المحاولة لإدخال صحفهم و مجلاتهم إلى السوق السوري ، و حتى هذه كانت بحاجة إما للتعاون مع الاستخبارات السورية أو لشراكة شخص مهم جدا إضافة إلى الإلتزام بسياسية الحكومة تماما ..

الانترنت و تطبيقاته
وأما الانترنت فقد تم حصر استخدامه في نهاية تسعينيات القرن الماضي بالجمعية السورية للمعلوماتية و بعض أجهزة الأمن و على نطاق ضيق جدا ثم ما لبث أن أفرج عنه شيئا فشيئا للجامعات ثم بقية أجهزة الدولة ثم أتيح للمجتمع في إطار الاتصال الهاتفي المسمى "الدايل أب" و الذي كان من المتعذر معه تأسيس المواقع الإلكترونية أو التدوين بشكل عام و بقي استخدام الانترنت في غير التصفح متعذرا حتى بدايات القرن الواحد والعشرين بما في ذلك البريد الإلكتروني ..
و يشير إلى ذلك تأخر الدولة السورية في تطبيقات الحكومة الإلكترونية إلى أيامنا هذه التي لم تصل نسبة تفعيل الحكومة الإلكترونية إلى أكثر من الإعلان عن الخدمات و التعريف بها في أحسن الأحوال و لم تصل إلى حد تأدية الخدمات أبدا باستخدام الانترنت ..
و إذا علمنا أن الاتصال بالانترنت من مقاهي الانترنت حتى بعد أن فتح المجال أمام خدمة الـ "دي إس إل" كان يشترط فيه تسجيل الهوية و كانت الأجهزة كلها مراقبة ..

تجريم الصحفين
وما ظاهرة اعتقال الصحفيين لأقل الأخطاء و أتفهها في سورية إلا الظاهرة الأكثر غرابة على مستوى الجرائم السياسية التي يقع فيها الناشطون ضحية السياسات الأمنية و الرقابة الإعلامية المتسلطة الفاسدة ..
و أذكر أن ثلاثة صحفيين في جريدة العروبة الحمصية ، الصحفي الذي كتب الخبر و المدقق اللغوي و مسؤول الطباعة، تم اعتقالهم في عام 1996 لمدة ثلاثة أشهر بتهمة العمالة لإسرائيل و ذلك بسبب خطأ مطبعي في كتابة اسم باسل الأسد، تم التنكيل بهم و تعذيبهم و إهانتهم إلى أبشع الدرجات ..

اعتقال المدونين و الناشطين
هذا عدا عن الصحفيين و الأدباء و المدونون و الناشطين الحقوقيين الذين سجنوا لسنوات طويلة بسبب الكشف عن آرائهم مثل طل الملوحي و علي العبد الله و أكرم البني وجبر الشوفي وأحمد طعمة وفداء الحوراني والدكتور وليد البني والدكتور ياسر العيتي و أنور البني و هيثم المالح و الدكتور عارف دليله و الحقوقي نجاتي طيارة و المدون حسين غرير و الصحفي فايز سارة والبرلماني رياض سيف و الفنان التشكيلي طلال ابو دان, ومروان العش ومحمد حجي درويش و الحقوقي مازن درويش و المدونة رزان الغزاوي و المدون أنس معراوي .. و لعل التهم التي كانت توجه للصحفيين و الناشطين مثل تهمة "وهن عزيمة الأمة" و تهمة "إضعاف الشعور القومي" من أندر التهم و أدعاها للسخرية و الضحك و أوضحها لمدى تخلف هذا النظام الحاكم و غبائه ..
و مازال العديد من هؤلاء الصحفيين و المدونين حبيسي سجون الاحتلال الأسدي و لا ننسى المدون كريم عربجي الذي اعتقله النظام السوري خلال الثورة ثم أطلق سراحه  بعدها ثم قام باغتياله في لبنان ..

الثورة و الشبكات الاجتماعية و موقف النظام
و من رحمة الله في غباء هذا النظام المتخلف هو اعتقاده أن فسح المجال أمام الشبكات الاجتماعية مثل الفيسبوك و التويتر و اليوتيوب هو نوع من التحدي الذي قبله و أراد أن يثبت من خلاله قدرته على تجيرها لحسابه من خلال اكتشاف المعارضين و التجسس على أنشتطهم و فعالياتهم، إلا أن الباب كان فد فتح أمام جماهير المجتمع السوري المظلومة التي عانت من الكبت و الهيمنة ردحا طويلا من الزمن هذا الفتح أدى إلى انتشار الوعي السياسي و الاجتماعي بالمستقبل و الاطلاع على تجارب الثورات السابقة في تونس و مصر وليبيا كما ساهم في رأب الصدع فيما بين مختلف شرائح السوريين في الداخل والخارج و المدينة و القرية و البادية و الحضر و أدى إلى كشف الحقائق التي سعى النظام إلى طمسها و تغييبها، فتعزز التواصل بين أفراد هذا الشعب و انتشرت قيم جديدة تدعو إلى الحرية و الكرامة و العدالة و المساواة فكانت هذه الشبكات وسيلة ناجعة في أيدي المدونين الثائرين ..

فوائد التدوين
و بانتشار التدوين بمختلف أنواعه النصي و الصوتي و المرأي من خلال الكتابات و التحليلات و من خلال الأناشيد و الأهازيج و الهتافات و من خلال توثيق الأحداث بالتصوير استطاع الناشطون السوريون فضح نظام الأسد الأمني و كشف سرقاته و مؤامراته على الأمة ما قبل الثورة و فضح جرائمه و مجازره و عصاباته خلال الثورة و بالتالي أتت الثورة السورية في إطارها الإعلامي زاخرة بالأخبار و الوثائق و التقارير من كل مكان على الأرض السورية فلم يستطع النظام القيام بأية عملية إلا و وجد من يغطيها بالصور و الوصف .. و بهذا أفقد المدونون هذا النظام مصداقيته السياسية و كشفوا عورته الإعلامية المتمثلة بتلفزيون الدنيا و إعلامه الرسمي فكانت الهزيمة الأولى على جبهة الإعلام ثم السياسة ففقد شرعيته و طرد من كل المحافل الدولية بعد أن اتضح للقاصي و الداني تلفيقه للأكاذيب و قلبه للحقائق و إصراره على إراقة الدماء و قتل الأبرياء ..

عواقب التدوين
و بالرغم من تحقق هذا النصر الكبير على المستوى الإعلامي إلا أن أجهزة النظام استطاعت أن تستفيد من قلة خبرة العديد من المدونين أمنياً في نقلهم للأحداث و توثيقهم لمجرياتها و بالتالي تمكنت من الحصول على الكثير من المعلومات الهامة عن حركة المنشقين و أحوالهم و أماكن تواجدهم و طريقة تفكيرهم و إدارتهم للمواجهات مع قوات النظام ، إضافة إلى استغلال مقاطع الفيديو و الصور في التعرف على الكثير من النشطاء و المشاركين في المظاهرات المنددة بحكم الطاغية و أوقات خروجهم و تحركهم و أماكن تجمعهم و انظلاقهم و تحديد الفاعلين من بينهم .. فوقعت خسائر كبيرة في صفوف العسكريين المنشقين خصوصا في إدلب و حمص و الرستن و القصير كما طال الأذى أهالي كثير من النشطاء للضغط عليهم بتسليم أنفسهم .. كما أدت حالة الانفلات الكامل في عمليات التوثيق من صور و كتابات توصيفية للأحداث إلى توفير الأدلة الموصلة إلى عدد كبير من الداعمين الغير مباشرين للثورة و بالتالي إلى اعتقالهم و تعذيبهم .. كما وفرت هذه المدونات على اختلاف أنواعها معلومات و أدلة لعصابا ت النظام و شبيحته حول المتظاهرين من ذوي القدرة المالية الجيدة فتم اختطاف العديد من الشباب و الشابات و طلب الفدية لإعادتهم إلى ذويهم .. فكان الكم الهائل من مقاطع الفيديو على يوتيوب و الصفحات الإخبارية على الفيسبوك ليس فقط سببا هاما في رفع مستوى الوعي عند السوريين في الخارج و توفير مادة إعلامية للقنوات و الصحف الأجنبية بل كان أيضا مصدر معلومات هام و استراتيجي لأمن النظام ..

التدوين والثورة الإعلامية
في نهاية المطاف و بالرغم من كل المخاطر التي تعرض لها الناشطون و بالرغم من كل الآثار السلبية الغير متوقعة و بالرغم من كل الدمار الذي حصل في العديد من القطاعات الاقتصادية و التعليمية و الصحية إلا أن إعلاما سوريا جديد خرج من رحك هذه الثورة على أيدي المدونين و الناشطين بقيم جديدة و مبادئ جديدة ، الحرية عمادها و تقبل الرأي الآخر أساسها ، أعاد بناء كوادره و فنييه و أعاد ترتيب صفوفه من جديد واستطاع في السنة الأولى من عمر الثورة أن يكسب ثقة السوريين و تعاونهم و حجز مكانه في الساحة الإعلامية السورية و العربية بأكثر من ستة قنوات فضائية و عدد أكبر من المجلات و الصحف الداعمة للثورة و عدد كبير من الإعلاميين و الصحفيين ، كل هذا و أكثر مما أعطى للتدوين بعده المتوقع و تأثيره الطبيعي في دعم العمل الإعلامي و التفاعل معه .. و رب ضارة نافعة .. 

الأحد، 1 أبريل 2012

بين الواقع و المثالية "1"


ما تمنيت شيئا في حياتي إلا و أردت أن أعرف عواقبه قبل مناقبه،
و ما عرفت شيئاً أحب إلى قلبي بعد معرفته أكثر من الله،
و ما وقفت في صنع أمر قط حتى أتقنته أو أعترفت بعجزي عن أداء حقه،
و أكثر ما أرقني في حياتي هو الدَّين و الظلم،
و ما رأيت شيئاً يفرق بين الناس كسوء الأخلاق و لا رأيت شيئاً يقرب بينهم كالسماحة و ستر الأخطاء،
وأفضل ما أحببت من هذه الدنيا جلسة مع عالم يكشف لي من نفسي ما لا أراه و يعرفني على طرق الحق و الخير ،
و ما آلمني شيء كما آلمني فقد الصديق الصدوق و لا أخافني شيء كما أخافني تسلط الحاقد الجاهل،
و خير ما أرجوه من عمري ترك علم ينتفع فيه من بعدي و أحبة يذكرونني بخير ..

أسوأ منك خلقاً من يحوجك إلى سوء الخلق ..



عندما ينشأ الإنسان على أن يكون أداة تنفيذ بدون وعي أو تفكير خالياً من الشرف والأخلاق فلن يكون دينه مهما كان إلا دين حثالة المرتزقة من أسافل البشر ..
ولن تجد حولك إلا القوة و البطش السبيل الفعال الوحيد الذي يتركه لك لتردعه عن الإجرام و الأذى و الفتك بالضعفاء والعزل والمسالمين والنساء والأولاد والمسنين ..
و أسوأ منك خلقاً من يحوجك إلى سوء الخلق ..