الاثنين، 25 مارس 2013

فتنة البوطي في بيعة الأسد ..



لقد تجنبت الحديث عن البوطي زمنا طويلا ليس فقط بسبب موقفه من الثورة بل بسبب موقفه من البيعة و طلبه من مسلمي سورية مبايعة حافظ الأسد في عام 1988 ثم موقفه من القتيل باسل الأسد ، حيث اعتبر الأول هو إمام للمسلمين و هو القائد المؤمن و اعتبر الثاني شهيداً استحق مقعده في الجنة ..
و قد هزتني مواقفه آنذاك و تسببت لي بصدمة كبيرة و أنا الذي قرأت له كل ما كتب حتى ذلك الوقت و استفدت من علمه الشيء الكثير حتى لأني كنت أعتقد أنه إمام العصر .. لقد كانت فاجعتي به كبيرة إذ لم يكن يخفى على ذي بصيرة من هو حافظ الأسد و ماذا فعل و لمن كان ولاؤه !!!
و أيامها قررت ألا أقرأ أو أسمع له شيئاً .. و لا أخفيكم كم عرضني هذا الموقف آنذاك للخطر ..
و بطريقة أو أخرى و مع الوقت وجدت له عذراً كما كنا نجد الأعذار للكثيرين منا بسبب جور نظام الأسد و طغيانه و دموية أجهزة أمنه .. و قلنا حينئذ لعلنا ننتفع من علمه و نترك عنا تصريحاته للإعلام في القضايا السياسية .. لكن مواقفه من الثورة لم تترك لنا و قلنا لعله يرى الحقيقة و يقف مع الشعب إلا أنه و بشهادة العديد من طلبة العلم منهم الشيخ محمود الدالاتي الذي أكد أن البوطي كان يعلم تماما ما يحدث لكنه لا يرى الخروج على ولي الأمر .. قال البعض لعله سينقلب على ولي أمره عندما يكتشف أنه وراء المجازر و قتل العزل و المدنيين ، و انتظر الجميع و انتظرنا ، لكن نفس المواقف ..
و حينما حمي الوطيس و كاد الجيش الحر أن يقلب المجن ، خرج الرجل يعلن الجهاد على الثورة و الثوار .. عجبا لغي هذا الرجل ، أين يريد الوصول؟

أما فيما يتعلق بالبيعة و فتنة البوطي ففي الواقع كان الجميع قد شهد أن محمد سعيد رمضان البوطي لم يكن مستفيدا من النظام لا بمال و لا بجاه و أنه عاش زاهدا ، إذا ما السر وراء هذه المواقف المؤيدة للظالم على المظلومين ؟!!
الجواب بسيط أيها السادة إنها فتنته التي أعلنها في ثمانينيات القرن الماضي البيعة للأسد ، و من كان يعلم ما البيعة عند المسلمين فهو يعلم لماذا البوطي وقف هذا الموقف . و ما لقيه يوم الجمعة على أيد زبانية ولي أمره إنما هي ثمرة بيعته ، و ما لقيه أهل سورية حتى اليوم إنما كان بسبب فتنته التي دعى لها .. و كأن الحق جل و علا يقول له و لمن تبعه "ذوقوا بما كسبت أيديكم" ..

في نهاية المطاف أقول لكم أيها الأحبة إني أشعر بغصة تكاد تخنقني ، البوطي واحد منا و ممن وقف مع عدونا لضربنا !!!! البوطي قد مضى إلى الديان لكن ما الدرس الذي علينا أن نفهمه ؟
أتساءل متى سنكون يدا واحدة أمام أعدائنا ؟ متى سنفهم أن استمرار وجود الأعداء بيننا رهن بتفرقنا و خلافاتنا (لا اختلافاتنا) ؟ متى سندرك أن الاختلافات أمر طبيعي يجب ألا تتحول إلى خلافات فتفسد وحدتنا و تضامننا و وقوفنا في وجه أعدائنا ؟ حتى متى سنبقى وقودا لآلة مصالح أعدائنا ، يضربنا بعضنا ببعض ليحقق أهدافه على حسابنا ؟

أما ما يتعلق بالبيعة ففي الواقع كان العرب عند دخولهم الإسلام يبايعون رسول الله عليه الصلاة و السلام على السمع و الطاعة في المنشط و المكره ثم أخذت البيعة لخلفائه من بعده ، حتى افترق "السلطان عن القرآن" فأصبحت البيعة تؤخذ للسلطان ، و هذا ما درج عليه فقهاء أهل السنة ..
و عندما تولى حافظ الأسد الحكم في سورية بعد الانقلاب المسلح في تشرين 1970 و رتب لتولي رئاسة الجمهورية عرف أن الناس لن تبايعه فكان عليه أن يعلن إسلامه و تسننه و هو نصيري ، فافترق فقهاء أهل السنة في سورية على قضية البيعة له ، إذ أنه قدم بانقلاب عسكري و لم يأتي عبر الانتخاب الذي كان يعتبر بمثابة البيعة ، و غض الأسد النظر عن البيعة حتى يكتمل استحواذه على السلطة .
و بقي الناس يضمرون في صدورهم و لا يظهرون بسبب تسلط الأسد عليهم و إعمال السيف فيهم آنذاك . و كما نعلم لم يستتب الأمن لحافظ الأسد في ذلك الوقت إلا بعد تدمير حماة و قتل أو زج معظم النخب السنية في السجون ثم ترك الأخوان سورية له فنال ما يريد .
لكنه كان يعلم أن وجوده في الحكم وجود المغتصب فدأب على استغلال كل مناسبة ليظهر للعالم مدى حب الناس له و رغبتهم به و به وحده ، و مع ذلك لم يقنع بما وصل إليه و بقي يطمح لنيل البيعة عن رضى و كأنه الحاكم الشرعي ، خاصة بعد أن دجن جيلاً جديداً من السوريين . و كان البحث لا زال قائماً عمن يقدم له هذه الخدمة عن قناعة و ليس مقابل ثمن ..
و وقع الاختيار في عام 1986 م على البوطي لعلمه و نزاهته و زهده و مكانته بين الناس فقربه حافظ الأسد فترة طويلة و أراه من نفسه الإيمان و التقوى و الحكمة حتى أقنعه فغفل البوطي عما اقترفت يدي حافظ الأسد من اغتصاب للسلطة و سفك للدم و تسلط على الحقوق و غفل أيضاً و هو الأهم عن مراده و نيته البقاء في السلطة و توريث الحكم لأبنائه من بعده ، فظن أنه كرئيس شرعي تجب له البيعة ، فنادى عام 1988 م أو ربما في عام 1989 م بوجوب البيعة له و عدم صحة البيعة لغيره ، و لما سمعته حينها صدمت لهذا الطلب و سألت بعض العلماء وقتها اكتفوا بالقول هذا جائز للحاكم و لم يعقبوا ، لكن مشايخ الصوفية اعتبروه خروجاً عليهم ، فمن المعروف عند أهل التصوف أنهم يأخذون البيعة من المريدين لشيخ الطريق في ما يتعلق بالأمور الشرعية و الاجتماعية مصداقاً للآية الكريمة : "و الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم" الفتح الآية ( 10 ) ، و ما ورد في الحديث عن حكم البيعة على المسلم "ومن مات وليس في عنقه بيعة مات مِيتة جاهلية " رواه مسلم ، فكان الناس يكتفون وقتها بهذه البيعة لتحقيق شروط دينهم و يدعوون الله إما أن يصلح ولي أمرهم أو يخلصهم منه . حتى جاء نداء البوطي ففتح المجال أمام الكثير من الناس و من المشايخ من ضعاف الهمم و من الراغبين بالدنيا كيفما تأتي إلى الانبطاح تماما على أعتاب آل الأسد و قبول كل ما يملى عليهم بدون قيد أو شرط . و أصبح الناس يعتبرونه ملكاً متوجاً لا موظفاً رئيساً ..
فكان طلب البيعة لحافظ الأسد يومها هي فتنة البوطي التي افتتن بها و تسبب في افتتان الكثير من السوريين آنذاك ..