كل المجتمعات تقودها أنظمة تدير شؤونها و تسعى إلى تحقيق مصالحها .. يخضع كل نظام من هذه الأنظمة لرقابة المجتمع الذي أوجده .. و من حين لآخر تقوم المجتمعات باستبدال إدارة هذه الأنظمة للحفاظ على استمرار النمو و الاستفادة من كل أطياف المجتمعات و التقدم بها نحو الأفضل.
عملية الاستبدال هذه تختلف طريقتها من مجتمع إلى آخر .. ففي المجتمعات ذات الأنظمة الديقراطية تقوم الأحزاب بعملية التنافس من خلال تقديم البرامج التنموية و التطويرية الأكثر انسجاماً مع أوضاع الأمة و مشاكلها و الأكثر تلبية لاحتياجاتها و تحقيقاً لآمالها و طموحاتها .. بينما في المجتمعات التي سيطرة عليها أنظمة ديكتاتورية فإن عملية الاستبدال تغدو ضرباً من ضروب المستحيل بسبب هيمنة إدارة هذه الأنظمة على كل مؤسسات الدولة الاقتصادية و المالية و العسكرية و العلمية و المدنية و السياسية .. و كلما كان إطباق هذه الأنظمة على السلطات التشريعية و القضائية محكماً كلما صعبت عملية الاستبدال و أصبحت تكلفتها باهظة على المجتمع .. و في هذه الحالة تلجأ المجتمعات إلى الصبر على هذه الأنظمة و محاولة إصلاحها بدلاً من استبدالها للتكلفة الكبيرة التي ستتحملها من جراء التغيير و يصبح الإصلاح هو الحل الأفضل.
لكن عندما يصبح الإصلاح متعثراً بسبب الفساد و تصبح تكلفة بقاء هذه الأنظمة الديكتاتورية أكبر من تكلفة استبدالها فإن البطالة و الفقر و التخلف و الرشوة و الجريمة تبدأ مؤشراتها بالتزايد و تبدأ مؤشرات الخدمات التعليمية و الصحية و مكافحة الفساد بالانخفاض و تزداد طبقة الفقراء اتساعاً و الطبقة الوسطى انكماشاً و تظهر طبقة من مصاصي الدماء ممن يديرون أو يشاركون في إدارة هذا النظام تنظر إلى المواطنين على أنهم عبيد ليس لهم إلا الرضى و الخدمة أو الاعقال و السجون و عندها تجد المجتمعات نفسها مضطرة إلى الاصطدام مع الأنظمة و البدء بعملية استرجاع السيادة و السلطة و القيام بالاستبدال القسري.
إن المجتمع الذي يحكمه نظام ديمقراطي يقوم بتداول إدارة النظام ( السلطة ) من خلال المنافسة القانونية في انتخابات نزيهة و الوصول إلى الحكم بطرق دستورية ، هذه الطرق تكون تكلفتها قليلة مقابل الفوائد التي ستجنيها الأمة من تمكين إدارات مختلفة و متعاقبة و الاستفادة من خبراتها الجديدة. في حين أن المجتمع الذي يسيطر عليه نظام ديكتاتوري يعمل دوماً على سحق أي شكل من أشكال المعارضة و إن كانت ضيقة الاتساع أو حتى فردية.
و لذلك عندما يفقد المجتمع - الذي تسيطر عليه الأنظمة الديكتاتورية – الأمل في قيام إصلاحات جدية ينهض إلى إجراء عملية التغيير لإدارة هذا النظام و بالتالي فإن هذا النظام الذي اعتاد على القطب الواحد لا يجد طريقاً آخر للتعامل مع المجتمع سوى بالقمع ، و للبدء باستخدام القمع و ضمان نتائجه في التخلص من الحركات الاحتجاجية لا بد للنظام من إقناع المجتمع المحلي و الدولي بضرورته عن طريق اختلاق الدوافع الأخلاقية و القانونية اللازمة لتبريره.
فيأتي الغطاء الأخلاقي تعبيراً عن حاجة إنسانية تقي ضمائر رجال النظام و مؤيديه من محاسبة أنفسهم على قمع الشعب أو تعذيبه أو قتله أو اعتقاله أو الموافقة على أي فكرة سيئة تلصق بنشطائه و محتجيه. مثل حماية المحتجين من التغرير بهم و منعهم من التورط في أعمال مشبوهة تؤذي المجتمع و تهدد قيمه و أخلاقه أو مثل تبني مؤامرات خارجية هدفها النيل من سمعة الأمة و مقاومتها و شرفها.
ثم يأتي الغطاء القانوني تعبيراً عن الحاجة العقلية للاقتناع و الذي يمثل المبرارات المنطقية مثل عدم الالتزام بالقوانين و تخريب الممتلكات العامة و الاعتداء على المواطنين الآمنين و تهديدهم و ترويعهم أو الانضمام إلى منظمات محظورة تهدد أمن المجتمع و تعايشه السلمي.
و هكذا فإن القمع ليس حلاً مناسباً للإصلاحات السياسية أو الاقتصادية أو أي مشكلة داخلية لا بل على العكس هو أول مرحلة على طريق سقوط النظام أو احتلال المجتمعات الذي يؤدي إلى الحرب الأهلية.
و بالتالي فإن اتخاذ القمع كحلٍ في مواجهة دعوات الإصلاح و التغيير هو الإشارة المباشرة على وجه الديكتاتورية القبيحة التي أثيتت النواميس الكونية زوالها بطريقة أو بأخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق