by جميل داغستاني on Sunday, July 24, 2011 at 1:19pm
كان الهدف الأول الذي اتسمت به منشورات شباب الثورة في الشبكات الاجتماعية على الانترنت و تصريحاتهم في وسائل الإعلام هو فضح ممارسات النظام و كشف أباطيله في إدارة شؤون البلاد على المستوى الداخلي و الخارجي و ذلك من خلال إظهار الحقائق الواقعية و التاريخية و نشر شهادات العيان عليها من مسؤولين و مفكرين و محللين تمهيداً لنشر الوعي السياسي بين فئات الشعب و تحريضه على المطالبة بحقوقه ..
و كان لا بد لنجاح هذه الجهود من تثقيف الناس تثقيفا سياسيا اجتماعيا اقتصاديا يساعد في لفت الانتباه إلى مجريات الأحداث و تطوراتها و التعامل معها بوعي يحقق أهداف الثورة في التخلص من هذا النظام الفاسد ..
وكيف تعامل النظام إعلامياً مع الثورة ؟
إن الطريقة التي تعامل بها النظام مع شباب الثورة بفرض الحل الأمني على احتجاجاتهم و رفض الحوار معهم أو حتى الاستماع إلى مطالبهم المشروعة إضافة إلى طرد وسائل الإعلام العربي و الدولي من الشارع السوري و فرض الإعلام السوري على الأرض كمصدر وحيد لتغطية الأحداث ، دفع شباب الثورة إلى البحث عن آليات فعالة لتغطية الأحدث بأنفسهم بالرغم من انعدام الخبرة في هذا المجال ..
و من الأيام الأولى للتظاهرات في دمشق و درعا اتضح للجميع أن الإعلام السوري قد أصبح يدار من قبل أجهزة القمع و بدأ ينفذ السياسات القمعية بالحذافير و التي اعتمدت على سياسة الكذب و التلفيق و التزوير للأحداث و حتى في أكثر الأحيان اختلاقها بالكامل لإيجاد المبررات و الدوافع لسحق الاحتجاجات الشعبية و إخمادها قبل أن تمتد و تتحول إلى حراك جماهيري ، إضافة إلى التشويش على الناس المحايدين فلا يستطيعون الوصول إلى الحقيقة أبداً ..
لكن هل نجحت هذه السياسات ؟
استطاع الشباب بعد مضي أقل من شهر على اندلاع التظاهرات و بدء العمليات القمعية للنظام أن يصبحوا أكثر قدرة على التغطية و أكثر فاعلية في اختيار موقع الحدث ، إضافة إلى تفرغ العديد منهم لمهام كشف التزوير و التلفيق الذي انتهجه الإعلام السوري متمثلا بقناة الدنيا الإعلام الخاص الوحيد الذي تصدّر القنوات السورية في الكذب و التشهير بالمتظاهرين و التحريض على قتلهم و اعتقالهم إلى جانب القنوات الرسمية ..
هذه السياسة الإعلامية التشبيحية التضليلية للرأي العام السوري و العربي التي انتهجها الإعلام السوري فرضت على إعلام الثورة إجراءات جديدة تقوم أولاً على التشكيك بكل ما يبثه الإعلام السوري أو ينشره في كافة وسائل الإعلام و توجيه أصابع الاتهام إلى أجهزته و عصاباته دائماً ثم التدقيق فيه بعد ذلك لاكتشاف حقيقته و إزالة الزيف عنه ..
وما هو الأثر الذي تركته هذه السياسات على الخطاب الإعلامي ؟
الكثير من المحايدين و المترددين فقدوا الثقة بكلا الخطابين الإعلاميين إعلام النظام و إعلام الثورة و أصروا على البقاء في حيادية سلبية تضر بالثورة أكثر مما تنفع النظام ..
لكن مع مرور الوقت ظهرت شريحة من السوريين المترددين في موقفهم من كلا الطرفين الذين لم يقفوا مكتوفي الأيدي بل أخذوا يتابعوا نشاط الفريقين و يدققوا في كل ما يصدر عن إعلامهما بغرض الوصول إلى حقيقة ما يدور على الأرض و فهم الأحداث في مجراها الطبيعي الفهم الذي لا يقف بجانب فريق ضد الآخر ..
ما هي السمات العامة للخطاب المطلوب ؟
عدد من محللي الأحداث و الإعلاميين ممن لديه الاطلاع التاريخي على دورة حياة النظام و مراحل تطوره و ممن اختاروا جانب الثورة في مطالبها المشروعة و حراكها الشعبي السلمي و الذين يشاركون في هذا الحراك انتبهوا إلى أهمية انضمام هذه الشريحة الواسعة من أبناء الشعب المتردد على نجاح الثورة و اختصار الوقت و الدم المسفوح ، استطاعوا بعد نقاش طويل مع هؤلاء الحياديين أو المترددين خلال الأشهر الماضية أن يستوعبوا أسباب احجامهم عن الوقوف إلى جانب الثورة و أن يتلمسوا الخطاب الإعلامي المناسب لجذبهم إلى صف الثورة ، الخطاب الذي يجب أن يتصف بما يلي ليؤدي دوره بفاعلية مع مراعاة المناسبة أو الظرف:
- الموضوعية في الطرح و التعليق و التفسير و النقاش
- الربط التاريخي و المنطقي الصحيح بين الأحداث
- الاستناد إلى الوقائع المثبتة الغير مشكوك بها و عدم إهمال المصادر و ذكرها بالتفصيل
- مراعاة التوازنات الدولية و الإقليمية في المقارنات
- عدم إغفال التطورات الراهنة أو إسقاطها أو اللامبالاة بها
- احترام الدم السوري أياً كان
- احترام معاناة الشعب السوري
- احترام الرأي الآخر
- الابتعاد عن الطائفية أو الفئوية أو المذهبية أو الحزبية أو القومية بأي شكل من الأشكال
- الانتصار للحق في أي جانب كان
- اعتبار الصراع فقط بين طرفين هما الشعب المطالب بحريته و النظام القمعي
- التركيز على الوحدة الوطنية و سلمية الثورة و رفض التدخل العسكري الأجنبي
- عدم مجاراة النظام في كذبه و افتراءاته على الثورة و حراكها الشعبي و الاكتفاء بكشفه
- عدم إنكار الحوادث الفردية الغير سلمية و إدانتها
- التأكيد على مشروعية الدفاع عن النفس و حق المواطن بالدفاع عن منزله و نفسه و أهله و ماله بشتى الوسائل و عدم علاقة ذلك بسلمية الثورة و التظاهر
- التأكيد على محاسبة كل من يثبت تورطه في الدم السوري و إهدار كرامة الشعب و تدمير ممتلكاته
و هل الجميع موافق على هذه السمات في الخطاب الإعلامي ؟
طبعاً لا فتوجيه مثل هذا النوع من الخطاب الذي يبتعد عن العاطفية و و يرفض الاتهام بدون أدلة لأي طرف ، كشف عن وجود عدد قليل من شباب الثورة الذين ظهروا خلال الأحداث بأسماء مستعارة و الذين امتلكوا مع الوقت نفس تركيبة النظام في عدم تقبل الرأي الآخر و العمل على قمعه بشتى الوسائل إما بالتهديد و الوعيد أو بالتشهير و التخوين و منهم من تجاوز ذلك إلى حد العمل على الإضرار بهؤلاء الأشخاص و محاولة إيذائهم ومن هم من اكتفى بالفظاظة في النقاش و السؤال و اختيار الألفاظ النابية و إظهار روح العداء ..
و هل سبب الرفض معروف ؟
طبعاً بسبب عدم احتكاك هؤلاء الشباب بمن يخالفهم الرأي و الجلوس معه للنقاش طيلة الفترة الماضية فقد سيطرت عليهم ذهانية الاعتقاد بأنهم أوصياء على الثورة و أهلها لا يعترفون بالآخر و لا يقرون ضمنياً بحرية التعبير و يعتقدون أن أراءهم هي الصحيحة و أن مصلحة الثورة في ألا يخالفهم أحد الرأي ..
طبعاً تعتبر هذه الظاهرة من الظواهر التي تسيئ إلى سلمية الثورة و أخلاق شبابها و سمعتها و تؤدي إلى خسارة مؤيديها ..
نناشد هؤلاء الشباب بالتخلي عن قيم الاستبداد و التحلي بقيم الحرية و الكرامة و الديمقراطية و الانفتاح على الآخر و عدم محاولة إقصائه لأي سبب كان ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق