السبت، 9 يوليو 2011

كراهية النظام أم حب الوطن ..

سألني أحدهم بعد عودتي من المشاركة في مؤتمر استانبول قائلاً
: لقد اجتمعتم في أنطاليا و استانبول على كراهية النظام السوري فماذا ستفعلون بكل
هذه الكراهية إذا ذهب النظام ؟


سؤال فاجأني لم أكن أتوقعه أبداً و لم أتخيل أنني سأسأل
هكذا سؤال ، سألت نفسي هل نحن مرضى بالكراهية ؟


أردت أن أعرف فعلاً ما الحقيقة ، نظرت في داخلي أبحث عن
الجواب ، و في ثوان لمعت في مخيلتي الذكريات كلها في سورية بحلوها و مرها و تذكرت
المعاناة الطويلة التي دفعتني إلى السفر خارج الوطن ، تذكرت رفاقي في العمل و في
الحي تذكرت كل ما تركت خلفي من أحبة و خلان من أقرباء و أصدقاء و خرجت إلى بلد آخر
أشق فيه طريق الحياة و أتلمس فيه المستقبل و أجد لي مكاناً محترماً مرة أخرى ..


تذكرت مراقبي الدخل و المالية و البلدية و السياسية الذين
أطبقوا على مؤسستي ينهبون تعبي و تعب أخواني في الكد و العمل بسبب أو بدون سبب ..


تذكرت موافقات الأمن و مراجعاتهم التي كنت مضطراً
للامتثال لها في كل صغيرة و كبيرة ، من أجل سيارتي و من أجل منشأتي و من أجل
جامعتي و من أجل سفري و من أجل زواجي و من أجل كل مفصل في حياتي ..


تذكرت كيف كانت بعض أجهزة الأمن تبتزني في المناسبات
القومية و الحزبية للمشاركة في المهرجانات العفوية التي يقوم بها الشعب احتفالاً و
فرحاً ..


تذكرت لحرماني من الكثيرمن الفرص بسبب أقربائي المغضوب
عليهم سياسياً الذين اعتقل منهم من اعتقل و فر منهم من فر خارج البلاد عندما كنت ولداً
صغير ..


تذكرت خسارتي للكثير من زبائني من مؤسسات الدولة التي كنت
أعمل لها و أقدم لها الخدمات لأني رفضت الاشتراك مع موظفي المشتريات في سرقتها و
التي ذهبت للمنافسين الأقل جودة و خبرة ..


تذكرت كيف كانت تعرقل معاملاتي في مؤسسات الدولة لأني كنت
أرفض الرشوة و كيف كنت أتعرض للازدراء و الإهمال من قبل الموظفين و أحيانا ً كثيرة
للتهديد لأني لا أفهم النظام السائد و لا أرضخ له ..


تذكرت البيت الذي تركه لنا والدنا بعد وفاته و المؤجر بمائة
و خمسين ليرة سورية و التي كانت بالكاد تستطيع أن تشتري بنطالاً و قميصاً في ذلك
الوقت و لم نستطع استرجاعه إلا في التسعينيات عندما صدر قانون جديد يسمح بإخلاء
المستأجر بشروط ما ، كلفتنا هذه الشروط في ذلك الوقت نصف ثمن البيت دفعت للمستأجر
إضافة إلى تكلفة إعادة ترميم البيت الذي استهلكه المستأجر خلال الربع قرن الذي أمضاه
فيه ، و كيف كنت مضطراً للعمل خلال دراستي في الثانوية لمساعدة والدتي على دفع
المصاريف ..


تذكرت أؤلئك الفتيان الذين كنت أوفر لهم عملاً في فترة
الصيف ليكسبوا بعض المال يساعدوا فيه أنفسهم و أهليهم و كيف استغل مراقب التأمينات
ذلك ليطلب رشوة  بالرغم من أن الأمر قانوني
و لما رفضت الدفع له رفع تكليفي الضريبي إلى شريحة أعلى بكثير مما هي عليه مؤسستي
و لم يرسل التكليف للتحصيل و أبقاه عنده أكثر من سنة ثم حوله إلى التحصيل ليحرمني
من الاعتراض و يزيد علي ضرائب التأخير التي أرهقتني و أعادتني إلى الوراء كثيراً..


تذكرت كيف رفضت كتاباتي في كل وسائل الإعلام لأنها تنطق
بالحقيقة و لا تساوم على حقوق الناس و كيف هددت بالاعتقال إن لم أبلع لساني و أخرس ..


تذكرت كيف تم رفض العديد من المشاريع الجديدة التي بادرت
إلى ترخيصها لأنني رفضت الشراكة مع وجهاء القوم من الحكومة و الدولة و الأمن و
الحزب ..


تذكرت كيف خرجت من بيتي و من بلدي كسيراً بعد عشرين عاماً
من الصبر و الكفاح و الأمل بأن تصبح الأمور أفضل و لكن للأسف لم يحدث ..


تذكرت أن هذا النظام لم يترك لحب الوطن طريقاً إلا
كراهيته و السعي للتخلص منه و أنك لن تتمكن من أن تحب الوطن إذا لم تكره هذا
السرطان ..


قال سائلي : ما بك أين شردت ؟ فقات له يا صاحبي هي
الوطنية في سورية التي جعلها النظام كعملة وجهها الأول كراهية النظام و وجهها
الآخر حب الوطن ..

by جميل داغستاني on Saturday, July 9, 2011 at 2:44pm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق