by جميل داغستاني on Saturday, July 23, 2011 at 1:41pm
لعل من أكثر ما يثير الحنق أن بعض الرومانسيين الآمنين في
بيوتهم الذين ينعمون بالراحة و الطعام و الشراب ، أولادهم يسعون بجانبهم و أحبابهم
على مرأى من أعينهم . هو دعوتهم لأهل الشهداء و المعتقلين و الذين تسلب أموالهم و
تنتهك كراماتهم و أعراضهم كل يوم منذ أربعة أشهر و نيف بحجة العصابات المسلحة و
المؤامرات الخارجية و بغير حجة أو سبب مشروع ، أن يتخذوا اليابانيين مثلا في
ذكائهم و فطنتهم لمصالحهم و هم الذين خرجوا من الحرب العالمية الثانية مهزومين
أمام الأمريكيين .. دعوة لهم أن يتحلوا بثقافة التسامح التي تحلى اليابانيون بها
حتى يستطيعوا محاسبة الشبيحة و القضاء على ظاهرة التشبيح في المجتمع الرومانسي
الذين يخططون له في المستقبل القريب ..
و كما قرأت في تاريخ اليابانيين أنهم احتاجوا إلى
المساعدة بعد حرب طويلة تم إنهاؤها بقصفهم بالقنابل النووية على مدينتين من كبرى
مدنهم هما هيروشيما و ناكازاغي راح ضحية هذا القصف اللاإنساني المخالف لشرائع
البشر و أعرافهم عبر الزمان أكثر من مائة و خمسين ألف قتيل وتشوه أكثر من ضعفي
القتلى و تم تدميرهما تدميراً كاملاً .. و كانوا بحاجة ماسة للمساعدة للتخلص من الآثار
النووية لهذا القصف و الانطلاق من جديد و لم تكن المساعدة متوفرة لهم إلا عند عدوهم
الذي دمرهم ، رغبة من اليابانيين الاستفادة من تقدم الأمريكيين العلمي و التقني
الذي وصلوا إليه في ذلك الوقت ..
و لم يكن اليابانيون ليطلبوها و هم يرفضون الشعور
بالهزيمة و يرغبون بالانتقام .. فوجدوا أن عليهم الاعتراف بالهزيمة و وجدوا أنفسهم
مضطرون لفلسفة التسامح التي أزالت من أمامهم عائق طلب العون ممن هزمهم و دمرهم (لكن
الأمريكان لم يحكموهم في ذلك الوقت بحجة الدفاع عنهم و لم يغتصبوا أرضهم و عرضهم و
يعملوا على إذلالهم بالليل و النهار ردحاً من الزمن و لم يضطهدوهم و يجبروهم على الهجرة
من بلادهم و لم ينهبوا خيراتهم و مواردهم لحسابهم و حساب جماعاتهم و عائلاتهم) ..
و إلى هنا لم يكن للتسامح أي فضيلة تذكر ، حتى صدّق
الأمريكيون اليابانيين في طلبهم و بادروا إلى تقديم المساعدة لهم ، و هنا ظهرت
فضيلة التسامح مع الأعداء بعد قبول الهزيمة و الاعتراف بها ..
فبعد أن وضعت الحرب أوزارها و أخذ كل خصم فرصة مساوية في
حربه مع خصمه كان التسامح هو النهاية الفاضلة التي و إن لم تنسي اليابانيين الماضي
إلى أنها ساعدتهم على فتح صفحة جديدة لمستقبل مشرق .. و قد بادلهم الأمريكيون تسامحهم
بمثله و فتحوا أمام اليابانيين بلادهم ..
إلا أن التسامح مع من يدع لك الأخوة و هو لا يضمر لك إلا
الشر و لا يمد لك إلا يد الغدر و لا يظهر لك إلا الحقد و لا يبادر إلا لإيذائك هو
طبع الضعفاء الأذلاء .. و إلا لوجب على الفلسطينيين أن يتآخوا مع الاسرائيليين و يتسامحوا
معهم ..
و من هذا المنطلق جاءت الشرائع السماوية و الوضعية كلها
بدون استثناء تحض على القصاص من المجرمين و الجناة و تدعوا إلى ملاحقتهم و التضييق
عليهم مهما كانت صفتهم أو انتماءاتهم و مع أنها تركت للضحايا أو ذويهم حق العفو
عنهم إلا أنها لم تهمل حق المجتمع
بالاقتصاص منهم و لا زالت كل الأمم تصر على معاقبتهم بالرغم من إسقاط الحق الخاص
عنهم بإقامة الحق العام ردعاً لهم من تكرار جرائمهم و عبرة لغيرهم ..
فلا تسامح مع مجرم قبل تجريمه و محاكمته و صدور الحكم فيه
و المباشرة بتنفيذه إظهاراً لنية القصاص منه و تمكيناً لصاحب الحق من حقه في الاختيار
ما بين إنزال العقوبة أو العفو ، و إلا لا معنى لطلب التسامح قبل هذا كله ، فهو لن
يكون إلا شكلاً آخر من أشكال الذل و الوقوع تحت الاستبداد و الاستئساد أو ضرباً من
ضروب الاستهبال و الاستغباء فالأول تزوير و الثاني تخدير و قد أقسم الثائرون ألا
يتوقفوا حتى ينالوا حقوقهم و يحاسبوا جلاديهم فلا تسامح قبل الحساب ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق