by جميل داغستاني on Wednesday, July 27, 2011 at 9:42pm
قصة أطلقها المدافعون عن النظام في كل مكان يعبرون فيها عن مأساتهم في الحوار مع المعارضين ، مفادها :
أن متظاهراً يغني على آلة بوتر واحد مردداً عن مساوئ النظام و سجله الحافل بالقمع و الاستبداد عتابا تتجاوز الألف بيت يلتقيه صديقه العاقل "المدافع عن النظام في هذه القصة " و الذي يكره الغناء على وتر واحد بعد أن ينهي عتاباه يسأله: و الآن ما الحل؟ الدماء تسيل في الشوارع والاقتصاد متوقف في الأسواق ، فماذا نفعل كي نخرج من هذه الأزمة ؟
المتظاهر: يتناول ربابته مرة أخرى و ينشد عتابا جديدة عن بطش النظام ومماطلته في الإصلاح.
العاقل: يقاطعه قائلاً له بلهفة : و لكن ما العمل ؟ ما رأيك في أن يجتمع من يمسكون بمقاليد السلطة مع من يمسكون بناصية الشارع ويتفاوضوا حول الحلول الممكنة للخروج من هذه الأزمة؟
المتظاهر: يرد لا حوار مع وجود الدبابات والجيش والأمن.
العاقل يقول : لديكم شروط للحوار ولدى السلطة شروطها أيضا ، ما رأيك في عقد اجتماع تمهيدي تعرض فيه شروط الحوار من قبل الجانبين ؟
المتظاهر يجيب: الثقة معدومة بالنظام الذي يماطل من أجل كسب الوقت .
الصديق: يعود و يسأل و هل الحل برأيك هو في استمرار التمرد حتى إسقاط النظام ؟
المتظاهر: يجيب نعم
العاقل و بدهشة : لكن هذا إعلان حرب صريح.
المتظاهر يرد بكل ثقة بالنفس: نعم.
العاقل يقول و قد أقام الحجة على صديقه المتظاهر : طالما أنه إعلان حرب لماذا إذن تستغرب أن ترسل الدولة جيشها ودباباتها ؟
لكن المتظاهر يتهرب عائداً إلى العتابا و التغني بالثورة .
و ينهي الصديق العاقل حواره الديمقراطي مع المتظاهر - كما يروى - يرمقه بنظرة و هو يقاوم رغبة ديمقراطية ثورية في أن يأخذ الربابة من يده ويحطمها على رأسه، ولكن تربيته القمعية الأصيلة، باعتباره من مؤيدي النظام، قمعته ومنعته من القيام بأي حركة سوى النهوض والانصراف .
في هذه القصة مغالطات لم تترك لي مجالاً للانتظار أو الإهمال:
أولها: ما العمل و الدماء تسيل و الاقتصاد يدمر ؟
الثاني: هل المفاوضات هي الحل للأزمة ؟
الثالث: ما هي الشروط التي تضمن نجاح الحوار بين النظام و الشعب ؟
الرابع: هل فقدت الثقة فعلاً بالنظام ؟
الخامس: هل الحل هو استمرار التظاهر لإسقاط النظام ؟
السادس: هل التظاهر لإسقاط النظام هو تمرد على الدولة معناه إعلان الحرب عليها ؟
السابع: هل يحق للدولة إعلان الحرب على الشعب ؟
فمما لا شك فيه و الذي اتفقت عليه الأعراف و القوانين الدولية و الشرائع البشرية عندما تتفاقم الأمور إلى الدرجو التي تصبح فيها البلاد على شفى حرب أهلية ، هو أن يستقيل الرئيس من السلطة حقناً للدماء و منعاً للدمار و تأخير البلاد ..
أما في حال تمسك الرئيس بالسلطة و رغبته في إيجاد حل فلا بد من حوار ناجح مع المعارضة للبقاء في السلطة و هذا ما لا يتحقق في سورية ، و تلك هي معضلة كبيرة صنعها النظام ..
إذ لم يترك خلال الأربعين سنة الماضية أية فرصة لمعارضة أن تتشكل و يصبح لها كياناً سياسياً يؤهلها لنيل ثقة الشعب و ما الأحزاب السياسية الموجودة في سورية إلا جزءاً من السلطة القائمة المتواطئة حيناً و الشريكة حيناً آخر في الفساد بكل أشكاله ، و التي خسرت ثقة الشعب مع الوقت و لم تعد تلقى الحد الأدنى من احترامه لها .
و المعارضة الحقيقية في الداخل هي التي تتمثل في عدد من المثقفين و الناشطين الحقوقيين و المفكرين و الجامعيين المستقلين معظمهم يرزح في السجون ..
أما المعارضة في الخارج متمثلة بالأخوان المسلمين و بعض الأحزاب العلمانية الأخرى و عدد من المستقلين فهم كلهم متهمون من قبل النظام بالعمالة لإسرئيل و أمريكا و غيرها من الدول التي يناصبها النظام العداء في الظاهر و الباطن بما فيهم من الشرفاء و الوطنيين ..
و أما المظاهرات فهي لا تعبر عن معارضة منظمة لها قيادة موحدة معترف بها متفق عليها ، فكما هو معلوم أن التظاهرات هي حراك شعبي امتد من درعا إلى بقية المحافظات و المدن السورية تحت تأثير عنف الأجهزة الأمنية و قمعها الدموي للاحتجاجات ، و الذي أذكى شعلتها و ألهبها هو ذلك الدم الكثير الذي أريق في كل حي و شارع و مكان فمن أين سيأتي النظام بمعارضة تصنع حواراً مثمراً للجميع ؟ ..
و بعد هذا الدم الكثير في كل مكان لم يعد هناك ما يمكن التفاوض عليه مع النظام غير رحيله ، فالبيئة التي صنعها النظام بيديه و أشرف عليها طيلة الفترة الماضية أفقدته الشريك في الوطن الذي كان من الممكن أن يجلس معه على طاولة الحوار ، و بعد تأخير طويل لإجراء الإصلاحات ، التي وعد بها الشعب لأكثر من عشر سنوات ، بات من غير الممكن قبوله في السلطة ..
لقد ماطل النظام بإجراء الإصلاحات لأكثر من عشرة سنين و الناس منتظرين مرتقبين .. كانت هذا العشرة كافية لجعل ماليزيا أحد النمور الأسيوية الثمانية في التسعينيات من القرن الماضي .. و إذا كانت للنظام أعذار فربما غيره لا تمنعه الأعذار ..
و الحل الوحيد لهذه الأزمة هو أن يقدم الرئيس استقالته للشعب الذي وثق به و يتركها لمن يستطيع حفظ العهد و الولاء للشعب و ليس لمصالحه و مصالح عائلته ..
و لاستحالة الحوار مع من المتظاهرين لعدم وجود ممثلين لهم خارج السجون أو قادرين على دخول الوطن و لامتناع الرئيس عن الاستقالة و تسليم السلطة إلى ممثلي الشعب أو من يختارهم فإن الحل يبقى هو التظاهر حتى سقوط النظام ..
و أما اعتبار هذه المظاهرات السلمية تمرداً على الدولة فهذا هو عين المغالطة ، إذ لا يطلب المتظاهرون هدم الدولة أو إسقاطها ، إن ما يطلبونه هو:
- تحرير الدولة و تحرير المجتمع من ربق ديكتاتورية النظام و استبداده ..
- إن ما يطلبونه هو إسقاط النظام متمثلاً في أجهزة الأمن و الاستخبارات التي تسيطر على الحزب و على الحكومة و الجيش و الدولة هذه الأجهزة التي يديرها رئيس الجمهورية و عائلته ..
- إلغاء سيطرة حزب البعث على الدولة و المجتمع ..
- تعديل الدستور و التحول إلى دولة ديمقراطية الكل فيها سواسية على أساس المواطنة و فصل السلطات الحريات فيها مضمونة ، يسود فيها القانون على الجميع ، لأجهزة الأمن فيها اختصاصتها المحددة تخضع للرقابة و المحاسبة ، و الجيش فيها وطني غير طائفي و لا حزبي ..
إذاً ليس الدولة هي من ترسل دباباتها و جنودها لحرب مواطنيها ، إن من يرسل الدبابات و الجنود و العصابات هو من يدير هذا النظام و أجهزة أمنه المتنفعين منه و من بقائه ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق