لقد وصلت إلى أنطاليا في منتصف اليوم الذي سبق المؤتمر بعد رحلة طويلة. و تفاجأت بعدد كبير من رجال الأمن التركي و عدد من السوريين على مدخل صالة المغادرة في المطار الداخلي.
سألني أحدهم إذا كنت قادماً للمشاركة في المؤتمر لأنضم إليهم فالشبيحة قد هاجموهم منذ أقل من ساعة ، كان عدد الذين التقتيهم يقارب العشرين شخصاً من أعمار مختلفة ، ما إن بدأنا التعارف حتى وصل النائب السابق مأمون الحمصي معه شخص آخر و كا ن يبدو عليهم القلق مما علموه من محاولة للاعتداء على الضيوف و حفاظاً على أمن المشاركين طلب الأمن التركي التوجه إلى مقر المؤتمر في حافلة واحدة ترافقها دورية شرطة لتأمين الحماية اللازمة.
و كان لتوه قد وصل الكثير من مصوري القنوات الفضائية و التلفزيونية و المراسليين الإعلاميين الذين بدأوا بتسليط كاميراتهم علينا لتصوير حتى أنفاسنا إلى أن صعدنا الحافلة ، إلا أن الجزيرة كانت هي الأولى و التي صورت أحداث الاعتداء على ضيوف المؤتمر قبل وصولي كما تناهى إلى مسامعي.
وصلنا إلى فندق أوزكامايكا فاليس على شواطئ المتوسط لأفاجأ بوصول عدد كبير من المشاركين الذين ازدحموا في برهة الاستقبال ينتظرون الحصول على غرفهم. قال أحد المنسقين أن عدد القادمين وصل إلى ضعف العدد المتوقع لحضور المؤتمر و هذا ما سبب إرباكاً في إيجاد متسع لهم.
استقبلني الدكتور حمدي أبو الشامات ذلك الشخص الرائع الذي اصطحبني بجولة في الفندق ريثما يحين دوري لاستلام الغرفة و قام بتقديمي لعدد من المشاركين في المؤتمر و تعريفي على أقسام الفندق و مرافقه إلى أن حان الوقت.
بعد أن انتهيت من تفريغ حقائبي ارتحت قليلا ثم توجهت إلى الحديقة الخارجية حيث لقاء المشاركين ، و قد التقيت هناك الكثيرين ممن اشتهروا على القنوات الفضائية مؤخرا و كان لي وقفة قصيرة مع الدكتور رضوان زيادة - الذي ألتقيه لأول مرة بعد محادثة تلفونية أول شهر مايو من أجل الحلقة التي كنت ضيفا فيها على قناة المجد الفضائية في برنامج ساعة حوار مع الدكتور فهد السنيدي - و وقفة قصيرة أخرى مع الشيخ عبد الإله طراد الملحم إضافة إلى بعض الأصدقاء الذين لم أرهم منذ خمسة عشر عاماً مضت بعد أن بدأنا رحلة التشرد و قد كانت الأجواء حميمية لم أعشها من قبل أبداً مع أناس أكاد أراهم لأول مرة في حياتي ، قد اختلطت مشاعر الحرية و الانتماء و مناصرة الثورة و لقاء أبناء الوطن في الغربة و الشوق للعودة. تناولت وجبة العشاء مع السيدة لما الأتاسي و الأخ أسعد عبد الدايم و الدكتور حمدي عثمان و السيد مأمون البني و عددا من الأخوة من حماة و حلب ، دارت بيننا نقاشات و أحاديث اتسمت بالصراحة و الوضوح لم يكن أحد يخاف من الآخر أو يشك به ، كما شرحت لنا السيدة لمى الأتاسي كيف اتهمها الإعلام السوري بالتصهين بسبب وقوف إثنين من اليهود الإسرائيليين إلى جانبها في مظاهرة باريس أما السفارة السورية التي شاركت بها و خلال حديثها معهم و سؤالها لهم عن سبب دعمهم لهذه المظاهرة التي لا تعني إلا السوريين التقطت وسائل الإعلام الصور لهم و تم نشرها و التشهير بها.
كان أهم ما ميز هذا المؤتمر ذلك الفندق باستراحته الداخلية الكبيرة إضافة إلى الانترنت و البوفيه الذي يمتد عمله حتى الرابعة صباحاً و تلك الشرفات العريضة الواسعة و الحدائق الخضراء و المطاعمه المريحة التي ضمت كل تجمعات المشاركين و حلقاتهم و أمنت لهم جوا مريحا للتعارف و النقاش.
و ما هي إلا دقائق حتى حضرت وسائل الإعلام و تجمع المشاركون و وزعت أعلام الاستقلال و بدأت الهتافات بإسقاط النظام و إعلان الوقوف إلى جانب الثورة في الداخل و المطالبة بمحاكمة بشار الأسد و باقي المجرمين ممن يقتلون أهلنا في سورية.
ثم تداعى شباب الثورة إلى اجتماع لبحث وسائل دعم الثورة في الداخل و عرض المقترحات و تشكيل فرق العمل المختلفة الاختصاصات ، و تبادل العناوين للتواصل.
استهل اللقاء الشاعر أديب اسماعيل بقصيدة قصيرة أهداها إلى الطفل الشهيد حمزة الخطيب.
كان من الجميل قدوم هؤلاء الشباب من كل بلاد الدنيا إلى أنطاليا ليقدموا أي شيء يمكن أن يساهم في نصرة شباب الداخل كان يوجد عدد منهم أتوا من سورية ممن اعتقلوا و نالهم قسط من التعذيب على أيدي رجال الأمن. الكل شارك و الكل تكلم و الكل اقترح ، و الدافع الذي حركهم كان انقاذ الوطن.
و قبل نهاية اللقاء انضم إلينا الدكتور عبد الرزاق عيد و المهندس ملهم الدروبي و السيد غسان عبود و السيدة سيما عبد ربه و السيدة خولة يوسف و عدد من الوجوه المعروفة ، و قد لفت السيد غسان انتباهنا إلى وجود بعض المندسين في الفندق ممن قدموا للتجسس على المؤتمر و المشاركين فيه و أن على الشباب أخذ الحيطة و الحذر منهم ، كما أعرب ملهم الدروبي عن إعجابه بهذا الاجتماع و وصفه بأنه الأفضل و الأكثر تنظيماً بين الاجتماعات الجارية في أروقة الفندق و التي مر عليها كلها و أنه الوحيد الذي يعطي الثورة كل مجهوده و أفكاره و وعد أنه سيدعم قائمة الشباب باعتباره ممثل الإخوان المسلمين في المؤتمر.
كان وقتاً ممتعاً رجعنا بعده إلى غرفنا متعبين نطلب الراحة للاستعداد لبدء المؤتمر في اليوم التالي ، غير أنني عانيت كثيراً ليلتها بسبب نوبة رمل أصابت كليتي اليمنى حرمتني النوم و لم أرد أن أزعج أحداً و آليت على نفسي الصبر حتى الصباح لطلب المساعدة كانت ليلة قاسية طويلة أستهلكت قواي حتى آخرها.
أضواء على المشاركين في المؤتمر:
- وصل عدد المشاركين إلى ما يزيد عن الثلاثمائة مشارك يمثلون معظم الأحزاب المعارضة في الخارج إضافة إلى الناشطين السياسيين المستقلين الذين لم تتجاوز نسبتهم الربع.
- حضر أكثر من مائة ناشط و معارض سياسي زيادة عن المتوقع.
- كل الناشطين و المعارضين كانوا من الشخصيات الناجحة و المتفوقة ، منهم الأطباء و المهندسون و الصحافيون و رجال الأعمال و الحقوقيون و أساتذة الجامعات و البعثيون و السياسيون و الوزراء السابقون من خيرة رجال سورية و شرفائها.
- حركتهم ضمائرهم من هول الجرائم التي ترتكب بحق المواطنين السوريين و دفعهم إحساسهم بالواجب تجاه سورية إلى المجيء و قبول المخاطرة في كشف أنفسهم أمام الإعلام.
- عدد كبير منهم كانوا لا زالوا يزورون سورية في إجازاتهم ضحوا بهذه الميزة لعدم تحملهم ما يجري في سورية بحق المتظاهرين العزل و قرروا الانضمام إلى الثورة.
- عدد كبير من المشاركين قد استعداهم النظام لأتفه الأسباب فمنهم من سرق النظام تجارته أو شركته أو مصنعه و منهم من زج به في السجون ظلماً و عدواناً بتهم عجيبة لم يسبق لها مثيل في الدول المتحضرة التي تحترم الإنسان و كرامته و حريته في التعبير، و منهم من فصل من وظيفته لأسباب غير معروفة ، و منهم من منع من الدخول في مناقصات عامة ، و منهم من أجبر على شراكة أقرباء الرئيس أو ضباط أمنه ، و منهم من أعتدي عليه و على أهله لمجرد إهانته و إذلاله و منعه من انتقادهم أو معارضتهم ، و منهم من ألقيت عليهم التهم جزافاً بالانتماء إلى أحزاب ممنوعة أو محظورة ، و منهم من فر هارباً لاعتقال قريب له أو صديق و تهديده إذا لم يوقع على إدانتهم. و قصص يندى لها الجبين.
- إضافة إلى إجماع الكل على رفض طريقة التعامل التي يقوم بها النظام مع شعبه بتزوير الانتخابات و تعيين النواب و سرقة أموال الدولة و استباحة موارد البلد و تسخيرها لأسرة الرئيس و أعوانه و تأخر التنمية و تراجع التطوير و التعليم و الصحة و انتشار البطالة و الفساد و الرشوة.
أضواء على الأحداث:
أتى تصريح الأمين القطري المساعد لحزب البعث في سورية عن عدم موافقة الحزب على إلغاء المادة 8 من الدستور "القاضية برئاسة حزب البعث للدولة و المجتمع" الذي أعلن عنه في هذا اليوم تأكيداً على مراوغة الرئيس بشار الأسد و معاونيه في سعيهم لحل الأزمة و دليلاً قوياً على محاولة الإلتفاف على مطالب الشعب في تحقيق الحرية و الكرامة و التخلص من الدولة الاستبدادية.
كما أتى التهجم و الاعتداء على المشاركين في المؤتمر عند بوابة مطار أنطاليا و اتهام الإعلام السوري لهم بالعمالة لإسرائيل و أمريكا دليلاً آخر على رفض أي شكل من أشكال المعارضة سواء في الداخل أو في الخارج و أن الدعوة للحوار ما هي إلا مناورة أخرى لكسب الرأي العام العالمي.
ترقبوا الجزء الثاني غداً ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق