يتساءل الكثير من الشباب لماذا نجح حافظ في حكم نفس البلاد التي فشل بشار في إدارتها ؟ ..
دعونا نرجع قليلا للوراء ..
فحافظ الأسد الذي هو من الطائفة العلوية انتسب إلى حزب البعث منذ بدايات نشوء الحزب و نشط داخله بشكل جيد فأسس فرع اللاذقية و خلال دراسته في الكلية الجوية رأس اتحاد الطلبة الجامعيين و في الوقت الذي كان يتقدم مهنياً على مستوى الخدمة العسكرية كان يتقدم أيضاً على المستوى السياسي و لم يلبس أن وصل إلى أن يكون أحد أعضاء اللجنة العسكرية التي رفضت حل الحزب على إثر الوحدة مع مصر و التي سيطرت على الحزب فيما بعد ، ثم ما لبس أن كان أحد قيادي ثورة الثامن من آذار حيث أعلن في وقتها قانون الطوارئ و سرح الضباط الغير بعثيين من الجيش و تم تحييد الحزب القومي السوري الأجتماعي ..
و تمت سيطرة الحزب على الجيش و الدولة ..
ثم أعيد إلى الخدمة العسكرية بعد أن سرح منها و عين قائداً للقوات الجوية ثم شغل منصب وزير الدفاع إلى أن قام بالحركة التصحيحية و انقلب على الرئيس نور الدين الأتاسي و أمين حزب البعث صلاح جديد و وضع الجميع في السجن و عدل الدستور و أصبح حزب البعث في الدستور حزباً يقود الدولة و المجتمع.
و تمت سيطرة حافظ الأسد على الدولة و الحزب ..
و بعد تثبيت السلطة عمد حافظ الأسد إلى إنشاء الجبهة الوطنية التقدمية التي ضمت جميع الأحزاب المعارضة المتبقية عدا الأخوان المسلمين في إطار واحد يتحكم به حزب البعث مما مكن حافظ الأسد من السيطرة على الأغلبية السياسية و أصبح حافظ الأسد يسيطر على الدولة و الجيش و الحياة السياسية ..
ثم مالبس أن دخل حرب تشرين و خرج منها بانتصار معنوي استطاع من خلاله القضاء على أي تهديد في الجيش أو المعارضة السياسية ، ثم استطاع بحجة العمل المسلح الذي قامت به بعض فصائل الأخوان المسلمين في حماة أن يقضي عليهم في حماة و كل سورية قضاء تاماً و على أي شخصية علمية أو دينية أو شعبية لها علاقة بهم أو ليس لها علاقة بهم.
و بالتالي تم تفريغ الحياة السياسية من جميع أشكال المعارضة ..
و انتهى حافظ الأسد من تشكيل دولته التي فصّلها على قياسه تماماً كقائد ذي شخصية ديكتاتورية فأصبح:
- · رئيس الجمهورية
- · و القائد العام للجيش و القوات المسلحة
- · و الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي
- · و رئيس مجلس القضاء الأعلى
- · و الحاكم العرفي
و بالخلاصة فقد حرّم السياسة على أي أحد غيره إلا بالقدر الذي هو يريده أو تحتاجه سطوته و ترك للناس التجارة و المال و الصناعة ، و اكتفى من التجار و العلماء بولاء مطلق له.
و بالرغم من ديكتاتوريته إلا أنه ترك للناس متنفساً في أقواتهم و أعمالهم التجارية و الاجتماعية و كان في كل سنة يترك شيئاً إضافياً مثل معاهد تحفيظ القرآن و غيرها من الأعمال الخيرية و الدعوة.
ثم ورث بشار كل هذه التركة الضخمة من السلطات و الأعوان ..
و لم يكن عسكرياً فذا تدرّج في الرتب العسكرية حتى استحق أن يكون القائد العام للجيش و القوات المسسلحة ، كما لم يكن ذاك الإداري الناجح الذي لديه الحلول و الأفكار النيرة الذي دفعته في السلم الوظيفي و المراتب الوزارية فأوصلته إلى سدة الحكم ، و لم يك أيضاً ذاك السياسي الذي كسب محبة الناس و رضاهم و عبّر عن طموحاتهم و أحلامهم و حقق ما حققه بالفوز بالانتخابات و وصل إلى قيادة الحزب أو إلى مجلس الشعب ثم إلى رئاسة الجمهورية ، و لا قدّم أي شيء ليستحق كل هذه المناصب.
فلم يشعر بقيمة ما تركه له أبوه من السلطة و السيادة على هذه الأمة و لم يحاول أن يستخدمها لصنع مجده الخاص في تطوير البلد و إيصاله إلى مستوى البلدان المجاورة له مثل تركيا ، فلم يكتفي بكل هذه السلطات بل قفز إلى السيطرة على المال و التجارة فعمد إلى إشراك أقربائه في التحكم بموارد الدولة و الشعب و تسخيرهما للعائلة و زيادة غناها و سطوتها على مكاسب الناس و معايشهم .
فحافظ الأسد احتكر الحكم و السياسة و عمل بشار على احتكار المال و التجارة ..
إذاً .. استخدم حافظ الأسد طائفته للتمكن من رئاسة الحزب و استخدم الحزب للتمكن من الاستيلاء على الجيش و استخدمهما للاستيلاء على الدولة ثم سخرهم جميعاً للاستيلاء على الحياة السياسية برمتها ثم على المجتمع كاملاً ثم بسط حكم العائلة على كل شيء و اكتفى بالتسلط السسياسي و الأمني ، فأصبح يحكم المجتمع كله بالاعتماد على طائفته و من والاهم و يحكم طائفته بالاعتماد على أسرته و من خضع لهم.
أما بشار الذي ورث حكم الأسرة و من خضع لها من الطائفة فقد فتح المجال لمشاركة الأسرة له في الحكم و ترك لهم السيطرة على المال و التجارة فاستولوا على أرزاق الناس و تجاراتهم و شاركوهم في أموالهم و مكاسبهم حتى أحكموا الخناق على الناس ، حتى الدين لم يسلم منهم فقد دخلوا في شراكة مع إيران و حزب الله اللبناني لزيادة المد الشيعي في المنطقة، و حتى حلفاءهم من المثقفين العلمانيين الذين كانوا يقدمون لهم النصيحة أودعوهم السجون بتهم ليس لها معنىً غير الرغبة بالتخلص منهم ، فلم يعد هناك من مجال للحياة إلا بموافقتهم تماماً و العمل معهم أينما يطلبون في شركاتهم أو تجاراتهم أو مؤسساتهم ، و هكذا أخذوا يستولون على البلد شيئا فشيئاً ، لولا أن الثورة فاجأتهم و لم تمنحهم الوقت الكافي لابتلاع كل شيء و تحويل المواطنين إلى عبيد يعملون لهم.
و بالخلاصة فقد سيطرت هذه العائلة على الدولة و الحزب و الجيش و الأمن و المال و التجارة و الدين و الطائفة و المجتمع و لا أعلم على ماذا كانوا سيستولون أيضاً لو لم يكتب هؤلاء الصغار على جدران درعا الشعب يريد إسقاط النظام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق