السعي وراء المصالح بدون وضوح الضوابط و المعايير هو بمثابة جلب الضرر من حيث لا نعلم و قد وصف الرسول عليه الصلاة و السلام صاحب الحاجة بالأرعن و كذلك وصف القرآن هذه الحالة عند البشر بقوله تعالى : " ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير " فالأولى دلت على سوء التصرف و الثانية دلت على فقدان الغاية .. و حين لم يقل "يدع المؤمن بالشر دعاءه بالخير" لأن الإيمان هو إحداث هذه الضوابط و المعايير في حياتنا و العمل بمقتضاها ، فالإيمان ما وقر في القلب و صدقه العمل ، و حتى ينجح العمل و يلتزم بهذه الضوابط و المعايير فلا بد من الدساتير لتنظيم العاملين و القوانين لتحديد مسؤوليات القائمين عليه و اللوائح التي تشرح طريقة القيام به .. لماذا ؟ لمنع الاقتتال و الفساد و الهدر و الاستفادة من الموارد و التركيز على الوجهة ، ذلك كله لما ؟ لتحقيق المصالح التي و إن شابها بعض الضرر أو الانحراف البسيط كان سهل تجاوزه و عدم التعقيب عليه ..
لذلك عندما يحدث الاختلاف في طلب المصالح و تكون الضوابط و المعايير واحدة لا يؤدي ذلك إلى الخلاف و يمكن الوصول إلى حلول مهما اختلفت الدساتير و القوانين .. بينما يقع الخلاف حتى و إن اتفقت المصالح لاختلاف الضوابط و المعايير و إن اتفقت الدساتير و القوانين ..
و الاختلاف كما قيل لا يفسد للود قضية لكن الخلاف يصل بالمختلفين إلى العداوة و الاحتراب ..
و الضوابط و المعايير ليست قوانين أو دساتير إنما هي قيم و أخلاق .. و قد قال عليه الصلاة و السلام "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فعندما أتمها أصبحت الشريعة حاجة ضرورية لازمة لتحقيق المصالح و ليست فرضاً قسرياً على الناس .. و لم يفضي الاختلاف في فهم بعض أبواب الشريعة إلى الخلاف كما هو حاصل اليوم و لم يؤثر ذلك على وحدة الأمة و قوتها بل زاد في مناعتها و قدرة دينها على النفوذ إلى الأمم بالحجة و المنطق لا بالقوة و الإكراه .. و بالتالي استطاعت تحقيق كل مصالحها ، و من نازعها و حاربها كان ممن اختلف معها في الضوابط و المعايير و أما الاختلاف في الشريعة فكانت له حلول كثيرة معظمها قد حض عليها الكتاب و السنة .. و اليوم أرى التاريخ يعيد الكثير من نفسه في أحداث الثورة السورية و ما يدور بين مكونات الشعب السوري .. سائلاً المولى القدير أن يرينا الحق حقاً و يعيننا على اتباعه و أن يرينا الباطل باطلاً و يعيننا على اجتنابه ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق