الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

أين الذي ألقيت مما ألقى الذي قبلك ؟!!!!



في كل مرة كنت أدعى فيها إلى حفل ما أو أحضر مجلس عزاء ، كان يطلب مني إلقاء كلمة أمام الحضور .. بعض الأحيان تكون الأفكار حاضرة و في بعضها تعز علي فلا أدري كيف أستخرجها ..
و المحرج أن الأخوة لا يقبلون اعتذاري عن الكلمة و يقولون لي : أستاذ أي شيء لا بد أن تلقي كلمة .. فأقول معتذراً: أيها الأخوة لا شيء في جعبتي الآن .. فيقولون : معقول ؟!! أنت لا تجد شيئاً !! ..
و كان هذا في معظم الأوقات يحرضني و يعطيني حافزاً قوياً ، إذ يفتح أمامي المواضيع كلها فلا أعود مكترثاً لموافقة المناسبة أو الأحداث الدائرة فأستطيع الاقتراب و الابتعاد قدر ما أشاء.

و ما أن أمسك الميكرفون و أنظر في عيون الحضور حتى تبدأ الأفكار بالانهمار، تهطل كأنها الأمطار ، لا أدري كيف ألملمها و أصنفها و أرتبها .. لكن مع الوقت أصبحت متمكناً منها متحكماً بها .. حتى لتكاد ترى الناس في أكثر الأحيان لا يريدونني أن أتوقف عن الكلام مهما أطلت .. و هذا من توفيق الله و فضله ..

إلا أنه في إحدى المرات كنت مع أحد الزملاء قد تصاحبنا إلى حفل و كان الرجل قد سمع عني و يتحين الفرص لتقييمي .. و كنت أرى في عينيه و أحس في رجفة صوته ، أنه يضمر لي شيئاً عجزت عن معرفته ، و بت جل الوقت حائرا في تفسير ما أحسه منه .. لكن كنت قد أعددت خطاباَ جيداً يناسب الحفل ، و أعربت لهم عن نيتي في مشاركتهم فرحبوا بي و طلبوا مني الاستعداد ، و كنت أقول في نفسي ربما يتغير حال صاحبي مني بعد سماع كلمتي .. فلما حان الوقت اعتذروا أن يعطوا دوري لأحد الضيوف على أكون بعده ، فأجبتهم ، فألقى الرجل كل ما أعددت من أفكار لم يترك لي واحدة أنجو بها و كأنه كان يقرأ مما كتب في رأسي ، و مع كل كلمة كان يلفظها كنت أحس أني إلى الموت أقرب ، و كلما كنت أهم بالانسحاب هرباً ، كان صاحبي يمسك يدي قائلاً انتظر يارجل بات دورك وشيكاً .. حتى إذا انتهى تمنيت أن الأرض ابتلعتني فلا أرى أحداً و لا أحد يراني .. و هكذا حتى نودي باسمي فخرجت فلم أدر ما أقول و بت ألمح وأختصر و أوجز و أعتصر لا أعرف من أين أبدأ و لا كيف أنتهي و كلما نظرت إلى صاحبي وجدته يلوح برأسه يمنة و يسرة فتزداد محنتي و تشتد أزمتي إلى أن لمعت لي نهاية مشرفة انتهى معها مأزقي و فرجت بها كربتي .. فحمدت الله على ستر ماء وجهي و حفظ كرامتي .. و عدت إلى مقعدي فجلست كأني قد عملت الدهر كله أعاهد نفسي على ألا أعد كلمة مسبقاً .. و التفت إلى صاحبي فرمقني بنظرة و السعادة تملأ عينيه و قال مستهزءاً أين الذي ألقيت مما ألقى الذي قبلك لكن لا بأس عليك قد أنقذت نفسك ..

فتذكرت ما قاله أبو الطيب المتنبي:
ومن العداوة ما ينالك نفعُهُ     ومن الصداقة ما يضر ويؤلمُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق