السبت، 8 سبتمبر 2012

جمع بيانات النازحين تجارة بدأت تزدهر



لم يكن أحد يتوقع أن فجوة كبيرة سوف تنشأ بين معرفة احتياجات جميع السوريين الذين تضرروا في الداخل و الخارج و إمكانات المانح العربي و الدولي . هذه الفجوة التي خلقت سوقاً سوداء لعدد من تجار الدعم الإغاثي و الإنساني مهدت لهم الطريق و فتحت أمامهم أبواب جمع المال و المساعدات بدون ضوابط أو شروط تقيدها أو تنظمها ..
فغياب جهة رسمية واحدة معتمدة من المجتمع الدولي أو العربي عن تنظيم العمل الإغاثي و الإنساني أجبر الكثير من المغتربين الشرفاء على تنظيم شبكات دعم إنساني لإغاثة أهلهم و أبناء بلدهم من المتضررين و بالرغم من تأسيس عدة هيئات ذات طابع دولي و مرجعية رسمية للمجلس الوطني السوري أو لغيره من الأحزاب الكبيرة أو التيارات الدينية العريضة إلا أنه مع الوقت و مع ازدياد إجرام نظام الأسد و تدميره للمدن و القرى و إمعانه في قتل السوريين فقد اتسعت رقعة الحاجة على أرض سورية و خارجها و ازدادت الشبكات الإغاثية و تنوعت مهامها و طرق عملها ..

لقد كان هذا التكاثر السريع لهذه الشبكات الإغاثية استجابة عفوية و مباشرة لكثرة الأحياء و القرى المدمرة و كثرة عدد العائلات النازحة و أعداد الجرحى و المحتاجين لكل أنواع الدعم الإنساني ، و كان انتشار هذه الشبكات على امتداد البقاع التي يتواجد عليها السوريون المغتربون من هذا العالم أمراً حتمياً لتأمين المال و الدعم اللازم بأكبر ما يمكن ، إلا أن فقدان التنظيم و الرقابة و غياب الضوابط القانونية و الأخلاقية قد أفرز مجموعة من الانتهازيين الذين انخرطوا في بداية الأزمة مع المجموعات الإغاثية و اختبروا تحديات العمل الإغاثي و فهموا آلياته وكيفية تأمين الموارد المطلوبة لاستمراره ، و رأوا أمامهم فرصاً كثيرة للإثراء على حساب هؤلاء المحتاجين و من جيوب المانحين سواء الأفراد أو الشركات أو حتى الدول في بعض الأحيان ..

و الذي يتابع أحداث الثورة السورية و ما حل بالسوريين و تتاح له الفرصة للاطلاع على بعض تفاصيل العمل الإغاثي يدرك مباشرة أن هناك ثلاثة مكونات أساسية للعمل الإغاثي هي :
·         المنكوبين
·         المانحين
·         شبكات الإغاثة ..
حيث أن الحاجة هي التي تضمن استمرار العمل الإغاثي وهي تتلخص بأنواع الحاجات التالية :
·         حاجة المنكوبين للمانحين
·         حاجة المانحين لمعرفة المنكوبين
·         حاجة كلا المنكوبين و المانحين إلى شبكات الإغاثة لتوصيل المساعدات
كما أنه هناك أربعة عوامل رئيسية لنجاح هذا العمل هي:
·         توفير البيانات التي تتعلق بعدد المحتاجين و توزعهم الجغرافي و تحديث هذه البيانات من وقت إلى آخر.
·         التعرف على المانحين المهتمين بتقديم الدعم المادي المالي أو العيني و معرفة إمكاناتهم و التواصل الدائم معهم.
·         وجود شبكة نقل و توصيل لهذه المساعدات لديها المرونة و القدرة على محاكاة الإجراءات الأمنية التي يفرضها النظام في الداخل من وقت إلى آخر ..
·         و هناك العامل الأخلاقي الأهم في هذه البنية العملية و الذي يتلخص في ثقة المانح بعامل الإغاثة على توصيل المساعدات ..
لكن في هذا النموذج للعمل الإغاثي تظهر مشكلات أهمها:
·         فقدان القدرة على تحديد نطاق عمل الشبكات الإغاثية ..
·         صعوبة التأكد من صحة الاحتياجات في نطاق كل شبكة ..
·         صعوبة التأكد من نزاهة العاملين في هذه الشبكات ..
·         فقدان الضوابط و القوانين التي تحكم العمل الإغاثي و الاعتماد على عامل الثقة فقط ..
·         عدم القدرة على الرقابة ..
و السبب هو :
·         غياب المؤسسات التي تفرض القوانين أو تضعها في حيز التطبيق ..
·         تداخل عمل الشبكات الإغاثية مناطقياً بشكل معقد ..
·         نزوح السكان المستمر من مكان إلى آخر ..
·         غياب التخصص بكل أشكاله إلا ما ندر ..

و عليه يتضح للقارئ بعد جولة سريعة على العمل الإغاثي أن الفجوات كثيرة التي يتمكن من استغلالها لصوص المساعدات للإثراء على حساب الدمارو الدماء و ألخصها بالآتي:
·         إرسال المساعدات المالية و العينية إلى نفس الجهة أو المنطقة عدة مرات في مقابل حرمان الآخرين لغياب الرقابة ..
·         اقتطاع هامش كبير من المساعدات بحجة مصاريف النقل أو التحويل أو التوصيل لا يمكن محاسبته عليها لغياب القوانين ..
·         إمكانية سرقة قسم كبير من المساعدات لغياب المحاسبة ..
و بالتالي فإن أي لص مساعدات سوف يسعى إلى :
·         تجميع البيانات عن المنكوبين و المحتاجين و سوف يستغل حاجتهم ليحصل منهم على بياناتهم بمجرد أن يلمح لهم إلى أية حاجة من احتياجاتهم الكثيرة و سوف يحرصون على مده بالمعلومات.
·         الوصول إلى المانحين المهملين و اللامبالين أو إلى المتأمرين ممن يعمل لصالح المانحين و إغرائهم بالحصول على جزء من الصفقة ..
·         حملة إعلامية لتغطية وصول شيء من هذه المساعدات مما يضمن الاستمرار في العمل الإغاثي ..

و أهم العوامل التي يجب علينا السعي لها و توفيرها لضمان نزاهة العمل الإغاثي و عدم تحوله إلى تجارة الهدف منها تحقيق الربح ما يلي:
·         التعامل مع المنظمات و ليس الأفراد ..
·         التعامل مع المنظمات النزيهة ذات الشفافية و التنظيم الجيد ..
·         التعامل مع المنظمات المتخصصة و الابتعاد عن تلك التي تدعي العمل في كل شيء ..
·         التعامل مع المنظمات المستقلة و الابتعاد عن المنظمات التي تتبع للأحزاب أو التيارات السياسية أو حتى الدينية ، لأنها تغذي الفرقة و التشتت و تساعد على تقسيم البلاد و العباد و التمهيد لحروب أهلية بسبب المال السياسي .
·         متابعة نشاط المنظمات الإغاثية و مطالبتها بالتوثيق و التقارير الدائمة كشرط للاستمرار في تقديم الدعم ..

و في النهاية أوجه نصيحتي إلى أخواني السوريين المحتاجين ألا يعطوا بياناتهم لأي جهة غير رسمية أو لا تتوافر فيها صفة الإشهار و الإعلام و الانتشار حتى لا تعينوا المستغلين و الانتهازيين على سرقة المتبرعين و المانحين ، فهؤلاء يستخدموها لجمع التبرعات و المساعدات لأنفسهم و من يأتمرون بأمرهم ..
و حذاري من الأفراد ما لم يكونوا هم أنفسهم المتبرعين و الموصلين للتبرعات أو المساعدات ..
كما أحذركم من رسائل الجوال و شبكات التواصل الاجتماعي التي يستغلها اللصوص للعب على وتر الحاجة عندكم و الاتجار ببياناتكم و الإثراء من التبرعات التي ترصد لمساعدتكم ..
و إياكم من القول أن إعطاء هذه البيانات "إن لم تنفعنا لن تضرنا" فهذا ضرب من الإهمال و مشاركة في أعمال الاحتيال و هدر لأموال المحسنين و حرمان أنفسكم و أخوانكم من المحتاجين .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق