لم يكن أحد يتوقع أن فجوة كبيرة سوف تنشأ بين معرفة
احتياجات جميع السوريين الذين تضرروا في الداخل و الخارج و إمكانات المانح العربي و
الدولي . هذه الفجوة التي خلقت سوقاً سوداء لعدد من تجار الدعم الإغاثي و الإنساني
مهدت لهم الطريق و فتحت أمامهم أبواب جمع المال و المساعدات بدون ضوابط أو شروط
تقيدها أو تنظمها ..
فغياب جهة رسمية واحدة معتمدة من المجتمع الدولي أو
العربي عن تنظيم العمل الإغاثي و الإنساني أجبر الكثير من المغتربين الشرفاء على تنظيم
شبكات دعم إنساني لإغاثة أهلهم و أبناء بلدهم من المتضررين و بالرغم من تأسيس عدة
هيئات ذات طابع دولي و مرجعية رسمية للمجلس الوطني السوري أو لغيره من الأحزاب
الكبيرة أو التيارات الدينية العريضة إلا أنه مع الوقت و مع ازدياد إجرام نظام
الأسد و تدميره للمدن و القرى و إمعانه في قتل السوريين فقد اتسعت رقعة الحاجة على
أرض سورية و خارجها و ازدادت الشبكات الإغاثية و تنوعت مهامها و طرق عملها ..
لقد كان هذا التكاثر السريع لهذه الشبكات الإغاثية استجابة
عفوية و مباشرة لكثرة الأحياء و القرى المدمرة و كثرة عدد العائلات النازحة و أعداد
الجرحى و المحتاجين لكل أنواع الدعم الإنساني ، و كان انتشار هذه الشبكات على
امتداد البقاع التي يتواجد عليها السوريون المغتربون من هذا العالم أمراً حتمياً لتأمين
المال و الدعم اللازم بأكبر ما يمكن ، إلا أن فقدان التنظيم و الرقابة و غياب
الضوابط القانونية و الأخلاقية قد أفرز مجموعة من الانتهازيين الذين انخرطوا في
بداية الأزمة مع المجموعات الإغاثية و اختبروا تحديات العمل الإغاثي و فهموا آلياته
وكيفية تأمين الموارد المطلوبة لاستمراره ، و رأوا أمامهم فرصاً كثيرة للإثراء على
حساب هؤلاء المحتاجين و من جيوب المانحين سواء الأفراد أو الشركات أو حتى الدول في
بعض الأحيان ..
و الذي يتابع أحداث الثورة السورية و ما حل بالسوريين و
تتاح له الفرصة للاطلاع على بعض تفاصيل العمل الإغاثي يدرك مباشرة أن هناك ثلاثة
مكونات أساسية للعمل الإغاثي هي :
·
المنكوبين
·
المانحين
·
شبكات
الإغاثة ..
حيث أن الحاجة هي التي تضمن استمرار العمل الإغاثي وهي
تتلخص بأنواع الحاجات التالية :
·
حاجة
المنكوبين للمانحين
·
حاجة
المانحين لمعرفة المنكوبين
·
حاجة كلا
المنكوبين و المانحين إلى شبكات الإغاثة لتوصيل المساعدات
كما أنه هناك أربعة عوامل رئيسية لنجاح هذا العمل هي:
·
توفير البيانات
التي تتعلق بعدد المحتاجين و توزعهم الجغرافي و تحديث هذه البيانات من وقت إلى آخر.
·
التعرف على
المانحين المهتمين بتقديم الدعم المادي المالي أو العيني و معرفة إمكاناتهم و
التواصل الدائم معهم.
·
وجود شبكة
نقل و توصيل لهذه المساعدات لديها المرونة و القدرة على محاكاة الإجراءات الأمنية
التي يفرضها النظام في الداخل من وقت إلى آخر ..
·
و هناك
العامل الأخلاقي الأهم في هذه البنية العملية و الذي يتلخص في ثقة المانح بعامل
الإغاثة على توصيل المساعدات ..
لكن في هذا النموذج للعمل الإغاثي تظهر مشكلات أهمها:
·
فقدان
القدرة على تحديد نطاق عمل الشبكات الإغاثية ..
·
صعوبة التأكد
من صحة الاحتياجات في نطاق كل شبكة ..
·
صعوبة
التأكد من نزاهة العاملين في هذه الشبكات ..
·
فقدان
الضوابط و القوانين التي تحكم العمل الإغاثي و الاعتماد على عامل الثقة فقط ..
·
عدم القدرة
على الرقابة ..
و السبب هو :
·
غياب
المؤسسات التي تفرض القوانين أو تضعها في حيز التطبيق ..
·
تداخل عمل
الشبكات الإغاثية مناطقياً بشكل معقد ..
·
نزوح السكان
المستمر من مكان إلى آخر ..
·
غياب
التخصص بكل أشكاله إلا ما ندر ..
و عليه يتضح للقارئ بعد جولة سريعة على العمل الإغاثي أن الفجوات
كثيرة التي يتمكن من استغلالها لصوص المساعدات للإثراء على حساب الدمارو الدماء و
ألخصها بالآتي:
·
إرسال
المساعدات المالية و العينية إلى نفس الجهة أو المنطقة عدة مرات في مقابل حرمان
الآخرين لغياب الرقابة ..
·
اقتطاع هامش
كبير من المساعدات بحجة مصاريف النقل أو التحويل أو التوصيل لا يمكن محاسبته عليها
لغياب القوانين ..
·
إمكانية
سرقة قسم كبير من المساعدات لغياب المحاسبة ..
و بالتالي فإن أي لص مساعدات سوف يسعى إلى :
·
تجميع
البيانات عن المنكوبين و المحتاجين و سوف يستغل حاجتهم ليحصل منهم على بياناتهم
بمجرد أن يلمح لهم إلى أية حاجة من احتياجاتهم الكثيرة و سوف يحرصون على مده
بالمعلومات.
·
الوصول إلى
المانحين المهملين و اللامبالين أو إلى المتأمرين ممن يعمل لصالح المانحين و
إغرائهم بالحصول على جزء من الصفقة ..
·
حملة
إعلامية لتغطية وصول شيء من هذه المساعدات مما يضمن الاستمرار في العمل الإغاثي ..
و أهم العوامل التي يجب علينا السعي لها و توفيرها لضمان نزاهة
العمل الإغاثي و عدم تحوله إلى تجارة الهدف منها تحقيق الربح ما يلي:
·
التعامل مع
المنظمات و ليس الأفراد ..
·
التعامل مع
المنظمات النزيهة ذات الشفافية و التنظيم الجيد ..
·
التعامل مع
المنظمات المتخصصة و الابتعاد عن تلك التي تدعي العمل في كل شيء ..
·
التعامل مع
المنظمات المستقلة و الابتعاد عن المنظمات التي تتبع للأحزاب أو التيارات السياسية
أو حتى الدينية ، لأنها تغذي الفرقة و التشتت و تساعد على تقسيم البلاد و العباد و
التمهيد لحروب أهلية بسبب المال السياسي .
·
متابعة
نشاط المنظمات الإغاثية و مطالبتها بالتوثيق و التقارير الدائمة كشرط للاستمرار في
تقديم الدعم ..
و في النهاية أوجه نصيحتي إلى أخواني السوريين المحتاجين
ألا يعطوا بياناتهم لأي جهة غير رسمية أو لا تتوافر فيها صفة الإشهار و الإعلام و
الانتشار حتى لا تعينوا المستغلين و الانتهازيين على سرقة المتبرعين و المانحين ، فهؤلاء
يستخدموها لجمع التبرعات و المساعدات لأنفسهم و من يأتمرون بأمرهم ..
و حذاري من الأفراد ما لم يكونوا هم أنفسهم المتبرعين و
الموصلين للتبرعات أو المساعدات ..
كما أحذركم من رسائل الجوال و شبكات التواصل الاجتماعي
التي يستغلها اللصوص للعب على وتر الحاجة عندكم و الاتجار ببياناتكم و الإثراء من
التبرعات التي ترصد لمساعدتكم ..
و إياكم من القول أن إعطاء هذه البيانات "إن لم تنفعنا
لن تضرنا" فهذا ضرب من الإهمال و مشاركة في أعمال الاحتيال و هدر لأموال
المحسنين و حرمان أنفسكم و أخوانكم من المحتاجين ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق