لا زال الكثير من السوريين يعتقد أن عمله الإغاثي أو
الإعلامي أو السياسي أو العسكري في منطقة ما أو في إطار ما أو من خلال منظمة ما يكسبه
الشرعية و الحق بالادعاء أنه ممثل رسمي لكل سكان المنطقة و أنه صاحب حق في تمثيل من يقوم
بخدمتهم أو الدفاع عن قضاياهم في كل هذه المنطقة ..
هذا التشابك و التداخل في الفهم و الرؤية و التطبيق على
مستوى المنطقة أو المنظمة أو العرق أو المذهب يحدث إشكالات تنظيمية و إدارية في
منتهى التعقيد تؤدي إلى صدامات بين مختلف أنواع القادة أو الناشطين تدخلهم في
صراعات جانبية تقود إلى هدر الموارد و الإمكانات و ضياع الوقت و إرهاب أصحاب
الخبرات و الاختصاص و اضطرارهم إلى الابتعاد عن أجواء هذه الصراعات أو الصدامات ..
هذه الإشكالات التنظيمية أو الإدارية لا يمكن حلها إلا بكشف جوانب التداخل فيها و
فصلها و تبيان خصوصية كل جانب على حدة و نطاق تعلقه و ما يحكمه أو يتحكم به و آلية
تطبيقه و الهدف منه ..
بالنسبة للمناطق الجغرافية
مهما اختلفت مكوناتها أو
اتسعت رقعتها و التي تحكمها المصالح الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و
الإدارية و التنظيمية لا بد لمن يدعي التمثيل الرسمي لها من اكتساب الشرعية في
تمثيلها أمام الآخرين و هذه الشرعية لا تأتي إلى عبر انتخابات معلنة نزيهة و شفافة
يشارك فيها أغلبية سكان هذه المنطقة ..
و يدخل تحت هذا الإطار الدول و البلديات و الجاليات ..
و معنى أن تكون فيها الانتخابات معلنة هو أن يعطى الناس
فترة كافية لتصلهم تفاصيلها و مواعيد التصويت الخاصة بها و أن تكون نزيهة توضع لها
آليات و معايير و ضوابط تمنع من حبك المؤامرات أو غش الناس أو استخدام طرق مخالفة للقوانين
و الأعراف السارية و أن يكون الجميع متساو أمامها ، أما أن تكون شفافة فهذا يعني
إتاحة الفرصة أمام الشعب لمراقبة سير العمليات الانتخابية من استقبال الترشيحات
إلى إنجاز عمليات التصويت إلى احتساب الأصوات إلى الإعلان عن النتائج ..
و أما بالنسبة للمنظمات
مهما اختلفت اختصاصاتها و مجالات
عملها و التي تمتلك أنظمة و إجراءات واضحة فمجرد وصول أي عضو منها إلى سدة الرئاسة
يكون قد اكتسب الشرعية في تمثيل كل أعضائها ، فرئيسها أو أمينها العام أو من يعينه
أو من ينتدبه هو ممثل شرعي لها بما يحقق أهدافها و استراتيجياتها ، و من خلال أنظمتها
و خططها ..
و يدخل تحت هذه النوع منظمات المجتمع المدني كالجمعيات أو
الاتحادات أو النقابات المهنية المتخصصة أو منظمات الخدمة الاجتماعية المتخصصة كالنوادي
و المعاهد و مراكز الرعاية الصحية و التعاونيات و الهيئات الإغاثية و الإنسانية ..
و بالنسبة لبقية الأطر التنظيمية الأخرى ،
فالإطار الديني
أو المذهبي أو الطائفي الذي تحكمه الشريعة الدينية يعتبر كبير علماء هذا الإطار أو
من يعينه أو ينتدبه من العلماء أو المشايخ هو الممثل الشرعي لها فيما يخص مصالحها
الدينية أو المذهبية أو الطائفية فقط ..
في حين أن الأطر القومية أو العرقية أو العشائرية فهي
محكومة بالعادات و التقاليد و لها لغاتها الخاصة و الزعيم بحسب هذه العادات و
التقاليد أو من يعينه أو ينتدبه هو الممثل الشرعي فيما يخص مصالح هذه الأطر و لا
يتعداها إلى اختصاصات الأطر الأخرى ..
و يعتبر الإطار الجغرافي هو الإطار الأشمل و الأعم لما
يحتويه من التنوع الديني أو المذهبي أو الطائفي من جهة و التنوع القومي أو العرقي
أو العشائري من جهة أخرى كما أنه أيضاً يحتوي التنوع الفكري الأيديولوجي أو
البرامجي في إطار الأحزاب السياسية و التنوع في التخصصات الخدمية و الاهتمامات في
إطار منظمات المجتمع المدني و للتداخل الكبير و الشائك في المصالح بأنواعها فيما
بين هذه المكونات الاجتماعية ضمن هذا الإطار الذي يفضل أن يسمى الإطار الوطني ..
و لهذا فالتمثيل الرسمي في الأطر الدينية أو القومية أو
الحزبية أو في إطار منظمات المجتمع المدني لا يعطي صاحبه الحق في التصويت على
المستوى الجغرافي الوطني نيابة عمن يمثلهم في هذه الأطر الأضيق ، و يبقى لكل فرد
الحق في التصويت عن نفسه لاختيار ممثليه من جهة و لاختيار النظم التي تناسبه
لرعاية مصالحه الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و التنظيمية و القانونية من جهة
أخرى ..
و تكون مطالبات ممثلي المنظمات أو الأحزاب أو العشائر أو
المذاهب هي توصيات و ضوابط عمل لممثلي الشعب على المستوى الوطني و ليست قيود صارمة
يتنافى معها إيجاد الحلول الناجعة للجميع و على المستوى الوطني ، و لهذا يجب أن
تعد و تقدم في الحد الأدنى الذي يمكّن أصحابه من الحفاظ على خصوصياتهم و ليس بالحد
الأعلى الذي يتعدى على خصوصيات الآخرين ، و هنا يكمن سر نجاح ممثلي الشعب على
المستوى الوطني في تحقيق الأهداف و المصالح الوطنية جميعها و للجميع دون استثناء و
دون تمييز ..