افتتاح الشركات أو المحلات التجارية أو حتى المطاعم أهم
بكثير هذه الأيام عند السوريين من تأسيس حزب جديد ..
ففي الوقت الذي لا يمكن إطلاق أي منها إذا لم يتوفر
المكان و الكوادر الخبيرة و رأس المال الكافي مبدئياً للتشغيل .. هذا ناهيك عن
تحديد نوع المنتجات أو الخدمات التي ستقدم بالشرح و التفصيل و معرفة العملاء
المستهدفين مسبقاً فإن الإعلان عن أي افتتاح بدون توفير هذه الأساسيات هو خسارة
محققة و هدر مؤكد للمال و الجهد و الوقت ..
أما تأسيس و إطلاق الحزب فيلزمه فقط ورقة المبادئ
الأساسية و أما المفكرون الذين يمكنهم كتباتها فعددهم كثير بحسب المثل القائل
"على أفى مين يشيل" و قلة من السوريين هم الغير قادرين على إخراج ورقة
المبادئ هذه ..
و كم دكتور على كم مهندس على كم أستاذ يمكنهم ملئ المنصة
و الصف الأول في أي صالة رسمية و بالتالي يمكنهم الدعوة إلى الإعلان عن تأسيس
حزبهم ..
فالمهم عند أحبابنا السوريين هو الفكر و المبادئ و الاسم
الرنان .. أما العمل و النضال السياسي و المؤهلين لإدارته و تنظيمه فهذا شيء مثله
مثل الشعار و المطبوعات يعتبر من كماليات العمل السياسي .. المهم الإعلان عما يجيش
في الصدور و لو على ناصية الطريق ..
طبعا ناصية الطريق اليوم أصبحت تمثلها الكثير من
الفضائيات و الجرائد .. و وكالات الأنباء هذه شغلتها كما تعلمون .. و المثل يقول
"فلان وكالة أنباء" .
أما أن تهتم فضائية مثل العربية أو الجزيرة أو البي بي سي
أو الفرنسية24 أو السي إن إن أو الفوكس
نيوز أو أي من مثيلاتها فهذا فعلاً اهتمام من الإعلام ..
لكن ما لا يعلمه أحبابنا الذين ينفسون عما يضيق في صدورهم
أن اهتمام الإعلام بإعلانهم التأسيسي سوف يعقبه ازدراء الإعلام في حال تأخروا بالوفاء
فيما ألزموا أنفسهم به و سحب الثقة في أعمال أخرى .. و بالتالي سوف يرمي كل واحد
منهم المسؤولية على الآخرين ليبرئ ساحته و خصوصاً التنفيذيين كما حصل في المجلس
الوطني و يحصل دوماً في كل المجالس الثورية و العسكرية و الأحزاب و الهيئات و
التيارات و التجمعات و الائتلافات التي ظهرت حتى اليوم ..
أخبرني أحد الأصدقاء الذين يعملون في السياسة أن ابنته
طلبت منه ذات مرة أن يخبرها عن نشاطه السياسي حتى تكتب موضوعا لمادة التعبير طلبته
منها المدرسة فقالت له: بابا أنت منذ أكثر من سنة تجلس على السكايب فترات طويلة و
يعلو صوتك كثيرا و أكثر الأحيان تسافر من أجل الحزب فأخبرني ماذا تعملون و ماذا
فعلتم حتى الآن ؟
فقال لي: جلست عشرة دقائق محتارا ماذا أقول لها ؟!! حتى
نسيتها !!
فنكزتني .. قائلة: هي بابا نحن هنا !! أخبرني ..
فقلت لها: نجتمع و نناقش قضايا كثيرة تتعلق بالحكم و
بالدولة و المجتمع و الصراعات التي تخوضها الأمة و ننتخب من يقود الحزب و من يعمل
أمينا عاما فيه و من هم أعضاء الأمانة العامة و من هم أعضاء المكتب التنفيذي و من
هم رؤساء اللجان و من هم المندوبون و من هم المستشارون و كيف ستتم الانتخابات و من
أين سنمول الحزب و كيف نزيد عدد أعضائه و كيف نمول أنشطته ..
فقالت و ماذا حققتم حتى الآن ؟ فشردت عشرة دقائق أخرى
أتساءل هل أخبرها الحقيقة أم أكذب عليها ؟ فقررت أن أصدقها !! فنكزتني ثانية ..
فقلت لها: كنا في البداية عشرون نختلف على أمر فنتفق عليه خلال ساعات فأصبحنا
خمسون عضواً نختلف على أمر فلا نتفق عليه إلا بالتصويت بعد شهر أو أكثر .. فرفعت
حاجبيها متعجبة و قالت ثم ماذا ؟ فقلت نظمنا مؤتمرا و انتخبنا قادتنا ثم أصدرنا
عشرات النشرات السياسية و كما انتخبنا قيادات الحزب في البداية قمنا بإقالتهم
لفشلهم ثم أعدنا انتخاب غيرهم و يبدو أننا سنصوت على إقالتهم الاجتماع القادم ..
قالت و ماذا أيضاَ ؟ قلت لها استطعنا جمع عشرة آلاف دولار لمساعدة أهلنا في سورية
و أرسلناها مع رئيس اللجنة الإغائية فصرف ربعها حتى يوصلها فعزلناه .. قالت ثم
ماذا ؟ قال : أوووف هذا يكفي .. قالت: بابا هذا لا يكفي لقد درسنا سير أحزاب غيرت
الدنيا في مادة التاريخ و أنت تخبرني أشياء كالتي تحدث معنا في الصف لانتخاب عريفة
الصف و لجنة النشاطات و توزيع المهام .. و مضت منزعجة جداً تقول بابا أتستخف بي
؟!!؟!!؟
قال لي و الله استحييت منها و من نفسي .. و احترت هل
أنسحب من الحزب أم لا ؟..
للأسف هذا السيناريو السائد في أغلب الحالات.. و اكبر مثل عليه الفشل الذريع في رابطة المهندسين السوريين!
ردحذفأصبحنا نجتمع لنهدم لا لنبني.. نتصيد الثغرات و نوسعها حتى تبتلعنا..
إذا كان الجميع يدعي الوعي، فكيف نقيم الآخرين؟ وما هي مرجعية الوعي أصلاً؟
هلل نستسلم للفشل؟ أم نبدأ من جديد؟