في المعارضة السياسية
سمعنا الكثير عن السوريين و ما قيل فيهم ابتداءً مما قاله الرئيس السوري شكري القوتلي للراحل جمال عبد الناصر هامساً في أذنه بعد التوقيع على قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسورية العام 1958، قائلاً "أريد أن أسلمك ملايين السوريين نصفهم أنبياء، والنصف الآخر زعماء"
و انتهاء بما رأيته بأم عيني و ما سمعته بأذني من قيادات المعارضة السياسية السورية و الناشطين المستقلين - في مؤتمراتهم التي حضرتها في تركيا و ما طفى على الإعلام و ما وصل عن طريق الأصدقاء و ما دعيت له من تحزبات و تجمعات و ما شاركت فيه من منظمات و اتحادات - من اعتداد بالنفس كبير جدا لدرجة لا يطاق عند بعض الشخصيات إضافة إلى الإصرار على الرأي و الصدام في حال الاختلاف مع الآخرين ، و الخروج عن محاور النقاش الرئيسية و الدخول في المهاترات ، و استعمال التشهير وسيلة إقناع و ضغط للوصول إلى الأهداف ، و انتشار الغيبة و النميمة ، و تفشي الشك و التخوين تجاه كل من لم يعجب قوله أو فكره أو من لا يوافق الرأي خصومه ، و محاولة الكثيرين لعب دور المعرقل و العائق في وجه أي اتفاق أو انسجام لإظهار الأهمية و فرض الوجود بطريقة إن لم تشركون لما يمكن أن أفيدكم منه ستشركوني لما يمكن أن أضركم به
و انتشار لعبة العض على الأصابع و الدفع خلسة من أعلى الهاوية و القفز على الخطوط الحمراء و اللوبي الخفي و الخلاف في الظاهر مع الاتفاق في الباطن و لعبة نوافق في الظاهر و نعطل في الباطن و لعبة من يظهر على الشاشة أولاً و من يستحوذ على المايك أطول فترة ممكنة و لعبة الجوكر الذي تجده في كل مكان و لعبة البيان الختامي و لعبة ضيق الوقت
و أكبر لعبة و أهم لعبة هي تلك التي يلعبها الجميع و التي تحوز على اهتمام الجميع و التي تضم الكثيرين و التي تلهب مشاعر المشاهدين و المستمعين و تحبس الأنفاس و تجيش الشباب و تخرج الفلوس من الجيوب و التي تنفر لها الدموع من المآقي و العيون و ترتعش لها القلوب و الأبدان " لعبة هذا ما يريده الداخل و الدماء تسيل و الأعراض تغتصب " هذه اللعبة الكل مشارك فيها و الكل يشاهدها و يسجل النقاط فيها و يشجع أكثر اللاعبين تأثيراً و ظهوراً ، تصريحاته تلهب الحماس و تقطع الأنفاس تحسبه في ساحات المعارك يصول و يجول و كأن الأعداء لاقتحامه يتساقطون عن اليمين و الشمال تقول بعد كل جولة لا بد أنه قد سقط النظام و انهزم الأزلام ..
و الغريب أن كل أطياف المعارضة من الإسلاميين إلى العلمانيين يريدون دولة تعددية ديمقراطية ، الدستور و القانون فيها أعلى من الجميع و المواطنون فيها متساوون أما القانون في الحقوق و الواجبات بغض النظر عن الدين و العرق و المذهب ، و قد تليت فيها البيانات الختامية و أعلنها القاصي و الداني كمطلب وطني .. ثم لماذا يختلفون ؟!!!!!!!!
سامحون على الإطالة أتكلم من قلب جريح لما آل إليه حالنا و ما عليه أحوالنا .. أعود إلى موضوعي الذي أردت أن أشارككم فيه ..
الطريق إلى الخدمة الاجتماعية
بعد هذه السياحة رجعت إلى بيتي في الرياض محبطاً يائسا من أي عمل دعيت للمشاركة فيه مع المعارضة ، أفتش في ثنايا آلامنا عن تشخيص لحالتنا و تحديد لمرضنا عسى أجد له دواءً يبريه أو حلاً يخلصنا مما نحن فيه .. فعمدت إلى حاسوبي أكتب عما أجده و أنشره في كل مكان و أتلقى عليه الردود والتعليقات و شيئ فشيئ أصبح يتراء لي طيف المشكلة ، و بالتحليل و المقارنة بدأت أرى جوانب تعكس ضعف الوعي السياسي الذي يعتمد على فهم الواقع و إدراك القوى الفاعلة و فهم موازين المصالح ، ثم ظهرت لي جوانب أخرى تشير إلى قصور المهارات الإدارية و التنظيمية في إعداد المؤتمرات و اختيار محاورها و طريقة إدارتها و كيفية الاستفادة منها ، إضافة إلى ضعف الخبرة في بناء التحالفات و الشراكات و الالتزام بها و تفعيلها و كذلك في التخطيط و بناء الفرق و اكتشاف القيادات ، كما بدا لي وجود أمراض خطيرة ظهرت من خلال الخطاب الفئوي تارة و المذهبي تارة في الدين و السياسة و القومية سواء بسواء ، و في حين أن كثيرا من مؤتمرات المعارضة كانت تخرج بنسب جيدة من التوافق إذا ما قيست بغيرها من مؤتمرات العالم الغربي التي تحقق و تلتزم بكل ما يتفق عليه فيها ، إلا أن مؤتمراتنا لم تستطع تحقيق القليل مما توافقت عليه ..
و بعد تحليل و دراسة و تقييم للوضع السوري في الخارج على الصعيد الاجتماعي و السياسي و التربوي
وجدت في أغلب السوريين - و أقول أغلب و ليس الكل – العيوب التالية :
- أن السوري لا يعرف حقوقه بل نسي أن له حقوقاً
- أن السوري يخاف من أن يظهر له حق فيضطره إلى المطالبة به
- أن السوري يشعر بالشك تجاه من ينبهه لحقوقه
- أن السوري لا يملك وعياً قانونياً
- أن السوري لا يعرف ما معنى السياسة ولا يفرق ما بين العمل السياسي و الدعوي و التربوي
- أن السوري لا يثق بالمشايخ و الفقهاء
- أن السوري فقير في المهارات الإدارية و التنظيمية
- أن السوري لا يملك مهارات العمل في إطار الفريق خصوصاً
- أن السوري لا يثق بعمل أخيه في الأعمال الجماعية
- أن السوري يخاف من أخيه السوري عامة و إذا كان هناك خلاف في الدين أو المذهب أو العرق تضاعف خوفه أضعافاً
- أن السوري لا يشعر بالرغبة لفهم القوانين للتعرف على حقوقه و تحسين حياته و إنما للتعرف على ما يجب عليه معرفته لعدم الوقوع في المخالفة
- أن السوري يعوض عن جهله في السياسة و القانون بالشريعة
- أن السوري يظن أن تحسين ظروف حياته تأتي مع زيادة المال أو الحصول على الشهادات فقط
- أن السوري مصاب إما بحمى المناصب أو عصابها و هو يخلط ما بين مفهوم القيادة كسلوك و مفهوم الزعامة أو الإمارة كمنصب
- أن السوري لا يوجد في قاموسه الاجتماعي مفهوم التعاون أو التكامل
- أن السوري لا يملك إلا شخصية تنافسية و لا يتقن غيرها
- أن السوري لا يؤمن بالمبادرة و يرتعب من أصحاب المبادرات و ينظر لهم بريبة و يتعامل معهم بارتباك وعدائية
- أن السوري يرتعب من الأنشطة الاجتماعية التنظيمية لدرجة أن يظن أن كل نشاط اجتماعي منظم هو عمل مخالف للقوانين دون أن يتأكد أو يسأل
- أن السوري لا يعرف كيف يفرق بين احترام رجل القانون أو رجل الأمن و الخوف منه ، فالخوف منه هي السمة المسيطرة
- أن السوري ليس لديه خبرة بالتعامل مع الإعلام و الصحافة
- أن السوري يكره أن يعاد إلى سورية نهائي كما يكره أن يقذف في النار
و وجدت في معظم السوريين المزايا التالية :
- أن السوري مجتهد طموح
- أن السوري أهل لتحمل المسؤولية إذا أعجبته المهمة
- أن السوري يريد التغيير قد ملّ حياة الخنوع و ضاق ذرعاً بها
- أن السوري لا ييأس
- أن السوري صاحب همة و بذل
- أن السوري يرتكز على الإيمان للشعور بالسعادة و الرضى
- أن السوري واثق بنفسه معتد برأيه
و وجدت في مجتمع الجالية السورية في الخليج ما يلي :
- أن السوريين قد ركزوا على الأعمال المهنية أكثر بكثير من الإدارية
- أن السوريين ليس لهم حياة اجتماعية واسعة إنما تقتصر على العائلة فقط
- أن السوريين ليس لهم أنشطة ثقافية أو أدبية أو رياضية تذكر بالرغم من ضخامة الجالية السورية في دول الخليج
- أن السوريين ليس لهم جمعيات خيرية تساعد من يقع في الحاجة أو تلم به مصيبة
- أن السوريين لا يملكون وسيلة تواصل فيما بينهم تحكي أخبارهم أو تربط بينهم
- أن جهل السوريين بقوانين دول الاغتراب قد أوقعهم فريسة للنصب و الخداع و الظلم
- أن لجوء السوريين إلى محاكم دول الاغتراب لحل قضاياهم قد زاد في تعقيد الكثير منها بسبب الاختلاف الاجتماعي و الثقافي
- أن السوريين قد وجهوا أنظارهم إلى الداخل السوري و نسوا أبناء جاليتهم تماماً
و كانت النتيجة ما يلي:
- أنه آن لنا أن نفقه ما لنا و ما علينا فنحترم ما التزمنا به و نستفيد مما ترك لنا الخيار فيه
- أنه يجب علينا العمل على إعادة الصلات و الروابط فيما بيننا
- إيجاد إطار تنظيمي يحقق لنا التعاون و التكافل عندما يحتاج واحدنا لمساعدة الآخر في عمل جراحي أو مصروف دراسي أو تكلفة قانونية أو قضائية أو عسر مالي
- إيجاد مرجعية واحدة تخدم مصالحنا و تعيننا في مشكلاتنا
- إيجاد مدارس تتقذنا من مخاطر القبول أو الرفض الجامعي لأولادنا و توفر علينا أموالاً طائلة نخسرها
- إيجاد إطار اجتماعي تتحقق معه حياة اجتماعية نشعر فيها بخصوصيتنا نتبادل فيها أفراحنا و أحزاننا و نتشارك فيها آلامنا
- إيجاد إطار تنظيمي ينسجم مع الأطر القانونية لدول الاغتراب التي نعيش فيها و يحترم خصوصياتها
- إيجاد إطار تنظيمي نتدرب فيه على دولتنا المنشودة التعددية الديمقراطية كيف سنعيش فيها ، نتعلم من خلاله كيف نكتشف ما نتفق عليه لا ما نختلف فيه ، نتعلم من خلاله أن نتعامل مع بعضنا البعض بالرغم من اختلافاتنا و تنوعنا
- إيجاد إطار تنظيمي نتدرب فيه على أن نكون أعضاء في فرق عمل نتخلص فيها من فرديتنا و أنانيتنا
- إيجاد إطار نتدرب فيه على العطاء و نكرس فيه روح البذل في سبيل الآخر دون انتظار لرد الجميل
- إيجاد إطار وطني أخلاقي خيري نتخلص فيه من أمراضنا
و كان الحل:
و بعد كثير من المناقشات و الحوارات كان الحل هو إعادة تأسيس الجالية السورية التي كانت قد قضت عليها سفاراتنا الأسدية في منطقة الخلي العربي قد قضت على روحها و أثرها الطيب و لا أريد أن أخوض في هذا هنا فأنتم تعلمون ماذا فعلوا كما أعلم .. و في الحادي عشر من سبتمبر العام الماضي عام الثورة و الكرامة و الحرية أتى معه تأسيس الجالية السورية في دول الخليج العربي ليكون أول إطار وطني حقيقي يبنى على طريق الدولة التي تعاهدنا على العمل على قيامها و أقسمنا اليمين على ذلك في مؤتمراتنا ..
جميل داغستاني
7 / 4 / 2012